أمام سيدي جلالة الملك؛ الشأن الداخلي والحاجة لإصلاح إجتماعي، وهذه دواعيه

كتب أ.د. محمد الفرجات

في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه المجتمع الأردني، أصبح الإصلاح الاجتماعي ضرورة لا تقبل التأجيل. فالتطور الحقيقي لا يقاس فقط بالنمو السياسي الاقتصادي، بل بتحقيق جودة حياة أفضل للمواطنين، من خلال بيئة صحية، وخدمات متطورة، ونقل عام عصري، وتخطيط عمراني ذكي، ورفاه مجتمعي يوفر فرص العمل والدخل والخدمات ذات الجودة.

ومن هنا، نضع بين يدي جلالتكم أبرز القضايا التي تحتاج إلى معالجة عاجلة.

التوعية الصحية وأمراض العصر:

يشهد الأردن تزايدًا في انتشار الأمراض المزمنة مثل السمنة، السكري، وارتفاع ضغط الدم، بسبب ضعف التوعية الصحية، وقلة الاهتمام بالوقاية، وغياب ثقافة المشي والممرات الآمنة للمشي داخل المدن. هذا الوضع يؤدي إلى:

ارتفاع كلفة العلاج على المواطنين والنظام الصحي.

زيادة الضغط على المستشفيات والتأمين الصحي في القطاعين العام والخاص.

انخفاض إنتاجية الأفراد بسبب الأمراض المزمنة، مما يؤثر على سوق العمل والاقتصاد.

المطلوب هو إطلاق حملات توعية وطنية، ودمج الثقافة الصحية في المناهج الدراسية، وتحفيز الأفراد على تبني أنماط حياة صحية، مما يساهم في خفض كلفة العلاج وتحسين صحة المجتمع.

الرياضة المدرسية وصحة الأجيال القادمة:

غياب النشاط الرياضي عن المدارس أدى إلى ارتفاع معدلات الخمول والسمنة بين الطلبة، مما يهيئهم للإصابة بأمراض مبكرة، وترقق العظام وضعف المناعة.

الصحة البدنية مرتبطة مباشرة بالأداء الدراسي والنفسي، فالطلاب النشطون بدنيًا أكثر تركيزًا وإبداعًا.

الرياضة تزرع قيم الانضباط والعمل الجماعي، مما ينعكس إيجابيًا على المجتمع.

الحل يكمن في إعادة تفعيل حصص الرياضة، وتوفير بنية تحتية رياضية مناسبة في المدارس، وتحفيز الطلبة على ممارسة الرياضة داخل المدرسة وخارجها.

انتشار التدخين والفيب والأرجيلة بين الشباب والإناث:

بات التدخين الإلكتروني والفيب ظاهرة منتشرة بين الشباب والفتيات، مما يهدد الصحة العامة ويضعف المناعة.

ارتفاع معدلات الأمراض التنفسية والقلبية بسبب التدخين.

زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية نتيجة الأمراض المرتبطة بالتدخين.

المطلوب هو تشديد الرقابة على بيع هذه المنتجات، وزيادة الضرائب عليها، وتكثيف حملات التوعية في المدارس والجامعات، بهدف تقليل معدلات التدخين بين الأجيال الجديدة.

أزمة النقل الجماعي وأثرها على التنمية:

غياب نظام نقل عام عصري وفعال أدى إلى:

تأخير الموظفين والطلاب عن أعمالهم ودراستهم.

زيادة الازدحام والحوادث والتلوث.

ارتفاع كلفة المحروقات على الأفراد والدولة.

إضعاف جاذبية الأردن للاستثمار والسياحة.

المطلوب هو تطوير شبكة نقل عام حديثة تعمل وفق جداول زمنية دقيقة ومسارات منظمة، مما يسهم في تقليل الازدحام، وخفض كلفة النقل على المواطنين، وتحسين بيئة المدن.

التجاوز في قيادة السيارات وعدم إلتزام قواعد المرور وغياب الرقابة الذكية:

الفوضى في القيادة أصبحت ظاهرة خطيرة تهدد السلامة العامة، بسبب:

التجاوزات الخطرة، والسرعة الزائدة، وعدم احترام القوانين.

ارتفاع معدلات الحوادث القاتلة، وما يترتب عليها من كلف اقتصادية وبشرية.

الحل يكمن في تعزيز الرقابة بالكاميرات الذكية، وفرض غرامات رادعة، وتطبيق برامج توعية مرورية منذ المراحل الدراسية المبكرة.

غياب التخطيط الذكي لاستعمالات الأراضي داخل المدن:

يتم استهلاك الأراضي العامة للبناء العشوائي دون مراعاة المساحات الخضراء والمرافق الترفيهية، مما يؤدي إلى:

تدهور جودة الحياة داخل المدن بسبب نقص الأماكن العامة.

زيادة التكدس السكاني والاختناقات المرورية.

المطلوب هو إعادة هيكلة التخطيط العمراني لضمان وجود مساحات خضراء ومناطق ترفيهية، وتحقيق توازن بين البناء والطبيعة.

ضعف التنمية الثقافية والاكتفاء بالفعاليات الإعلامية:

تعاني الثقافة في الأردن من ضعف في الاستراتيجيات التنموية، حيث تقتصر الجهود على مهرجانات وفعاليات إعلامية دون متابعة أو استدامة.

غياب الدعم الحقيقي للمبدعين والمثقفين.

ضعف البرامج التي تعزز الهوية الوطنية والوعي المجتمعي.

المطلوب هو تبني رؤية تنموية ثقافية حقيقية تدعم الإبداع، وتعزز دور الثقافة في بناء المجتمع.

غياب خطط تنموية حقيقية للمحافظات والمدن:

المشاريع التنموية غالبًا ما تكون حبراً على ورق، حيث تُطلق خطط لا يتم تنفيذها أو متابعتها.

استمرار الفجوات التنموية بين العاصمة والمناطق الأخرى.

عدم الاستفادة من الموارد المحلية بشكل فعال.

البطالة تؤرق الشباب والأسر في المحافظات، وتؤخرهم عن الزواج وترفع سن الزواج للذكور والاناث وتقلل من الخصوبة لذلك والنمو السكاني الطبيعي، مما يهدد الأمن القومي، وتزيد كذلك معدلات الجريمة وعدد السجناء والتشتت الأسري تبعا لذلك.

المطلوب هو إلزام الجهات المعنية بمتابعة وتنفيذ الخطط التنموية، وتحديثها وفق الاحتياجات المتغيرة.

والتوجه لفكرة القرى الانتاجية والاكتفاء الذاتي، بإقامة مشاريع إنتاجية وقرى سكنية في البادية الجنوبية والوسطى والشمالية، لتشغيل وتدريب وتسكين العاطلين عن العمل في كل المحافظات، والاستفادة من المياه الجوفية العميقة والطاقة الشمسية لمختلف المشاريع، وتمويل هذه المشاريع من مخصصات وزارة التنمية ووزارو التخطيط ووزارة الزراعة، ومن الصناديق الاستثمارية.

تحليل كُلف عدم التطبيق (Cost of Inaction)

إن كلف هذه القضايا وعدم معالجتها سيؤدي إلى خسائر اقتصادية واجتماعية كبيرة، منها:

1. كلفة صحية باهظة: استمرار انتشار الأمراض المزمنة سيزيد من الإنفاق على الرعاية الصحية، ويرفع فاتورة التأمين، ويؤثر على الإنتاجية في سوق العمل.

2. خسائر اقتصادية بسبب أزمة النقل: غياب النقل الجماعي المنظم يؤدي إلى تأخر الموظفين والطلاب، وزيادة كلفة المحروقات، وإضعاف الاستثمارات والسياحة.

3. ارتفاع معدلات الحوادث والمخاطر المرورية: عدم ضبط القيادة العشوائية سيؤدي إلى المزيد من الحوادث القاتلة، وما يترتب عليها من خسائر بشرية واقتصادية.

4. تدهور جودة الحياة داخل المدن: غياب التخطيط الحضري الذكي سيجعل المدن مزدحمة، ويزيد من التلوث، ويقلل من جاذبيتها للسكان والمستثمرين.

5. إضعاف التنمية الثقافية والفكرية: غياب الدعم الثقافي سيؤدي إلى تراجع الوعي المجتمعي، وتآكل الهوية الوطنية، وتزايد المشاكل الاجتماعية.

6. استمرار التفاوت التنموي بين المناطق: غياب الخطط التنموية الفعالة سيؤدي إلى تفاقم الفجوات الاقتصادية والاجتماعية بين المحافظات.

التكلفة الحقيقية لعدم التحرك الآن ستكون أكبر بكثير من تكلفة الإصلاح، مما يستوجب اتخاذ قرارات جريئة لضمان مستقبل مستدام للأردن وشعبه.

سيدي جلالة الملك،
إن الإصلاح الاجتماعي لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة حتمية للحفاظ على استقرار المجتمع وتحقيق التنمية المستدامة. وإن وضع خطط تنفيذية واضحة، ومتابعة جادة، وإرادة سياسية قوية، هو السبيل لضمان مستقبل أفضل للأردن وأبنائه.

حفظكم الله سيدي، وسدد خطاكم لما فيه خير هذا الوطن وأبنائه.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى