العلاقة الأمريكية الأوروبية

اسعد بني عطا

-العلاقات الأوروبية – الأمريكية تاريخية باعتبار ان المكتشفين والمؤسسين الأوائل للولايات المتحدة هم الأوروبيون ، وتجذرت هذه العلاقة بسبب الدعم الأمريكي لأوروبا خلال الحرب العالمية الثانية بمواجهة النازية والفاشية ، ثم تبنت مشروع ( مارشال ) لاعادة اعمار القارّة العجوز جراء ما لحق بها من دمار ، وقدّمت لها الحماية الاستراتيجية والنووية خلال الحرب الباردة ضد ( الاتحاد السوفياتي ) عِبْر حلف ( الناتو ) ، إلّا ان وصول اليمين الامريكي بزعامة ( ترامب ) إلى السلطة ، وتصريحاته المتكررة بإنه سيفرض رسوما جمركية على الصلب والالمنيوم والمنتجات الأوروبية بنسبة ( ٢٥٪ ) ، واتهام الاتحاد الأوروبي بالإضرار ببلاده ،وتحذّير حلف ( الناتو ) من أن وجود القوات الأمريكية في أوروبا لن يدوم إلى الأبد ، وحثها على إنفاق المزيد على الدفاع – فرض واقعا جديدا برزت معه إلى السطح مجموعة من الملاحظات ، لعل ابرزها :

. اندفاع ( الإدارة الأمريكية ) للتقارب مع موسكو التي وثقت علاقتها خلال الحرب الأوكرانية مع الصين وكوريا الشمالية وساهمت بتأسيس ( مجموعة بريكس ) ، واستعانت بكوريا للحصول على العتاد والجنود للقتال في أوكرانيا ، وأسفرت الاتصالات الأمريكية – الروسية عن الاتفاق على بدء مفاوضات إنهاء الحرب في اوكرانيا ،وتبادل الرئيسان الأمريكي والروسي الدعوات لزيارة بلد كل منهما ويتوقع أن يلتقيا في السعودية ، وأعلنت الخارجية الروسية تعيين ( ألكسندر دارشيف / رئيس إدارة شمال الأطلسي في الوزارة ) سفيراً جديداً لروسيا في واشنطن ، كما وجّه وزير الدفاع الأمريكي القيادة السيبرانية لبلاده بوقف جميع الأنشطة والعمليات السيبرانية الهجومية ضد روسيا ، ومارست واشنطن ضغطا على اوكرانيا لعقد صفقة بقيمة ( ٥٠٠ ) مليون دولار للوصول إلى المعادن النادرة في أوكرانيا مقابل ضمانات أمنية تطالب بها كييف بأي تسوية محتملة ، إلى أن تُوِّجَت المباحثات بالمشادة الكلامية مع الرئيس الاوكراني في البيت الأبيض .

. تكريس الخلافات الداخلية الأمريكية ، حيث اتهم ( ١٤ ) من بين ( ٢٣ ) حاكما ديمقراطيا ( الرئيس ترامب ونائبه / جيه دي فانس ) باستخدام المكتب البيضاوي لتوبيخ ( الرئيس زيلينسكي ) ، مؤكدين على ضرورة ان يحمي الأمريكيون قيم الديمقراطية القوية على الساحة العالمية ، كما ثار جدل في الصحافة الامريكية حول مدى عمق العداء الذي يضمره ( ترامب ) للحلفاء الأوروبيين ، وإذا ما كان هدفه الحقيقي القضاء على الاتحاد الأوروبي .

. أوروبيا ؛ حذّرت المفوضية الأوروبية من أن الاتحاد الأوروبي سيرد بشكل حازم وفوري ومتناسب على فرض أي رسوم جمركية ، وأكدت بروكسل دعمها الثابت لكييف ، حيث عقد قادة ( ١٥ ) دولة حليفة لأوكرانيا قمة لندن ( ٣/٢ ) ، وتم فيها بحث الضمانات الأمنية لأوروبا في مواجهة المخاوف من تخلي واشنطن عنها ، وخطر انسحاب المظلة العسكرية والنووية الأميركية ، وضرورة أن تؤدي أوروبا دورها في مجال الدفاع والتخطيط لضمانات أمنية قوية في القارة ، ووقعت المملكة المتحدة وأوكرانيا اتفاق قرض بقيمة ( ٢،٢٦ ) مليار جنيه لدعم قدرات كييف الدفاعية وتطوير إنتاج أسلحة في أوكرانيا باطار الدعم الثابت والمستمر لكييڤ .

. بالتزامن مع ذلك أكدت تركيا في أكثر من مناسبة على إنه لا يمكن إعادة تأسيس البنية الأمنية الأوروبية دونها ، وكان آخرها في أنقرة خلال مؤتمر صحفي جمع ( وزير الخارجية التركي / هاكان فيدان ) مع ( نظيره الألباني / إيغلي هاساني ) .

-بناء على ما تقدم يمكن أن نخلص إلى النتائج التالية :

. اقتراب الولايات المتحدة من موسكو مؤشر على رغبة واشنطن بتحقيق عدة أهداف ، منها : ضرب التقارب الروسي الصيني ، تحجيم كوريا الشمالية ، إضعاف مجموعة ( بريكس ) المنافس الاقتصادي الناشيء ، وضع اليد على المعادن الأوكرانية ، واجبار دول الاتحاد الأوروبي على رفع ميزانية الدفاع لتخفيف الضغط على التمويل الأمريكي .

. أوروبا منقسمة على نفسها بين اليمين واليسار ، ولا تمتلك قدرات الردع النووي الكافي او مواجهة التكتلات الاقتصادية الجديدة ، إضافة لإعتمادها على مصادر الطاقة الخارجية ، لذا يرى البعض بان أوروبا لن تبتعد كثيرا ، وستظل تدور بفلك الولايات المتحدة في المدى المنظور على الاقل ، لكن التصعيد الأمريكي ضد بروكسل لن يمنع أوروبا من البحث عن تحالفات جديدة لتعزيز الأمن بمفهومه الشامل ، بالمعنى ؛ العسكري والاقتصادي والاجتماعي ، ولعلها تجد ضالتها في تركيا التي تتوفر بها كافة الموارد والامكانيات التي تحتاجها ، والعمل على تأهيلها ودراسة فكرة ضمها للاتحاد الأوروبي ، فهل تتغلب لغة المصالح المشتركة بينهما على لغة الخلافات الثقافية والتاريخية في ظل واقع متغير ، ونظام عالمي جديد آخذ بالتشكُّل ؟

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى