مشروع “عمان الذكية”: نموذج حضري متكامل نحو مستقبل أكثر استدامة

بقلم: د. دانية العيساوي – خبيرة الجيوماتكس والتخطيط المكاني وإدارة التكيف مع آثار التغير المناخي

في ظل التحولات الرقمية السريعة والمتطلبات المتزايدة لتحسين جودة الحياة في المدن، تتجه العديد من العواصم نحو التحول إلى “مدن ذكية”، حيث يتم توظيف أحدث التقنيات لتعزيز الاستدامة، تسهيل تقديم الخدمات، وتحقيق كفاءة أعلى في الإدارة الحضرية. ضمن هذا السياق، أطلقت أمانة عمان الكبرى مشروع “عمان الذكية”، وهو مبادرة طموحة تهدف إلى دمج التكنولوجيا المتقدمة في إدارة المدينة، مما يعكس رؤية مستقبلية طموحة تعزز من مكانة عمان كواحدة من أبرز المدن الذكية في المنطقة.

ومن خلال خبرتي في الجيوماتكس، التخطيط المكاني، التكيف مع التغير المناخي، الترقيم وتسمية الشوارع، نظم المعلومات الجغرافية (GIS)، إدارة مخاطر الفيضانات، والهندسة المساحية والإدارة الهندسية، أستطيع أن أؤكد أن مشروع “عمان الذكية” يشكل نقطة تحول كبيرة نحو تحقيق التنمية المستدامة، وتحسين جودة الحياة، وتعزيز القدرة التنافسية للمدينة على المستوى الإقليمي والعالمي.

تكامل نظم المعلومات الجغرافية (GIS) والجيوماتكس في “عمان الذكية”

يُعَدُّ الجيوماتكس ونظم المعلومات الجغرافية (GIS) أحد أعمدة مشروع “عمان الذكية”، حيث تسهم هذه التقنيات في تحليل البيانات المكانية، اتخاذ قرارات مبنية على أدلة دقيقة، وتعزيز التخطيط العمراني المستدام. وقد أدى ذلك إلى تطوير نظام “مستكشف عمان”، وهو منصة إلكترونية متكاملة تتيح للمواطنين والمستثمرين الوصول إلى معلومات جغرافية دقيقة حول المدينة، بما في ذلك المخططات التنظيمية، حدود الأراضي، والبيانات البيئية، مما يعزز من الشفافية ويسهل اتخاذ القرارات المتعلقة بالتخطيط والتطوير العمراني.

الترقيم وتسمية الشوارع: خطوة نحو مدينة أكثر تنظيماً

يُعَدُّ ترقيم وتسمية الشوارع من الأدوات الأساسية في تحسين التخطيط الحضري، تسهيل التنقل، وتعزيز كفاءة الخدمات البلدية. في إطار “عمان الذكية”، تم تنفيذ نظام حديث لترقيم وتسمية الشوارع، يعتمد على قاعدة بيانات جغرافية متقدمة متصلة بنظم الملاحة والتوجيه، مما يساهم في:

تحسين الاستجابة لحالات الطوارئ من قبل فرق الدفاع المدني والإسعاف.

تسهيل عمليات الخدمات اللوجستية والتوصيل.

تحسين كفاءة وسائل النقل العام وإدارة المرور.

دعم التطبيقات الذكية المعتمدة على تحديد المواقع مثل أنظمة الخرائط والتوجيه.

التخطيط المكاني والتكيف مع التغير المناخي

التغير المناخي أصبح من أكبر التحديات التي تواجه المدن اليوم، وعمان ليست استثناءً. فمع ارتفاع درجات الحرارة، زيادة موجات الجفاف، وتغير أنماط الأمطار، تحتاج المدينة إلى استراتيجيات ذكية للتكيف مع هذه المتغيرات. وهنا يأتي دور التخطيط المكاني المستدام، الذي يهدف إلى:

تحديد المناطق الأكثر عرضة للظواهر المناخية القاسية مثل الفيضانات والانهيارات الأرضية.

تطوير حلول للتوسع الحضري تتناسب مع البيئة الطبيعية وتحافظ على الموارد.

تعزيز المساحات الخضراء في المدينة للتخفيف من ظاهرة “الجزيرة الحرارية الحضرية”.

تحسين تصميم البنية التحتية لمواجهة التحديات البيئية المستقبلية.

ومن خلال مشروع “عمان الذكية”، تم توظيف بيانات الاستشعار عن بعد (Remote Sensing) ونظم المعلومات الجغرافية (GIS) لتقييم التغيرات البيئية والمناخية ووضع حلول أكثر كفاءة للحفاظ على الموارد الطبيعية وضمان التنمية المستدامة.

إدارة مخاطر الفيضانات وتعزيز البنية التحتية المرنة

تُعد إدارة مخاطر الفيضانات من الأولويات الكبرى في مشروع “عمان الذكية”، حيث عانت المدينة في السنوات الماضية من تأثير الفيضانات المفاجئة الناجمة عن ارتفاع معدلات الهطول المطري في فترات قصيرة وسوء تصريف المياه. ومن خلال توظيف تقنيات الجيوماتكس والاستشعار عن بعد، تم تطوير:

خرائط تفاعلية لمناطق تجمع المياه والفيضانات، مما يساعد في اتخاذ تدابير وقائية قبل حدوث الأزمات.

تحديث شبكات تصريف مياه الأمطار لتقليل مخاطر الفيضانات وتحسين قدرة البنية التحتية على تصريف المياه بكفاءة.

أنظمة مراقبة ذكية تعمل على تحليل بيانات الطقس لحظيًا، مما يسمح باتخاذ إجراءات سريعة وفعالة عند توقع الفيضانات.

الإدارة الهندسية ودورها في تعزيز كفاءة المشاريع الحضرية

في “عمان الذكية”، تم إدخال الإدارة الهندسية الرقمية كوسيلة لضمان تنفيذ المشاريع بكفاءة أعلى، حيث تشمل هذه المنهجية:

استخدام الذكاء الاصطناعي في تقييم جودة الطرق والبنية التحتية.

توظيف نمذجة معلومات البناء (BIM) في تصميم المشاريع الهندسية الكبرى.

تعزيز البنية التحتية للنقل عبر أنظمة المرور الذكية وإدارة الإشارات الضوئية.

تحسين كفاءة الطاقة من خلال تطبيقات المباني الذكية وأنظمة الإنارة الموفرة للطاقة.

أمانة عمان: نموذج للحوكمة الذكية في المنطقة

تستحق أمانة عمان الكبرى الإشادة على جهودها في تنفيذ مشروع “عمان الذكية”، حيث تُعتبر رائدة في تبني التكنولوجيا الحديثة لتطوير الخدمات البلدية وتحسين جودة الحياة. بفضل هذا المشروع، أصبحت عمان أكثر قدرة على التنافس عالميًا من حيث الاستدامة، الإدارة الحضرية، وكفاءة الخدمات. ومن أبرز إنجازات الأمانة في هذا المجال:

تطوير بوابات إلكترونية للخدمات البلدية، مما يُقلل الاعتماد على الإجراءات الورقية ويُحسن تجربة المواطنين.

تحسين إدارة الموارد المائية والطاقة من خلال الحلول الرقمية الذكية.

تعزيز المشاركة المجتمعية عبر التطبيقات الذكية التي تسمح للمواطنين بتقديم الاقتراحات والملاحظات حول الخدمات البلدية.

نحو مستقبل أكثر ذكاءً واستدامة

يُمثل مشروع “عمان الذكية” علامة فارقة في مسيرة التنمية الحضرية، حيث يجمع بين التكنولوجيا، الاستدامة، وكفاءة الإدارة لتحقيق مدينة أكثر ذكاءً، أمانًا، واستدامة. ومع استمرار التطور التقني، نأمل أن تُواصل أمانة عمان تعزيز هذا المشروع وتوسيع نطاقه ليشمل المزيد من الحلول المبتكرة التي تجعل عمان نموذجًا يُحتذى به في المنطقة والعالم.

عمان، المدينة الذكية ليست مجرد رؤية، بل واقع يتشكل يوماً بعد يوم بفضل الابتكار والتخطيط المستدام.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى