الدور المطلوب من الحكام الإداريين في تحسين واقع المدن والأحياء: مسؤوليات تتطلب الانتباه والمثابرة

كتب أ.د. محمد الفرجات

إن الأحياء السكنية في مدننا الأردنية تُعتبر بمثابة مرآة تعكس الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع. هذه الأحياء التي تحتضن مئات الآلاف من الأسر الأردنية، تعكس حالة بيئية وتنظيمية غير مثالية، مما يؤثر بشكل ملحوظ على راحة السكان وصحتهم النفسية. رغم الجهود التي تبذلها السلطات المحلية في العديد من المدن، إلا أن الواقع الحالي ما زال يواجه تحديات جمة في توفير بيئة صحية وآمنة وجمالية للمواطنين. ولعل الدور الرئيس الذي يجب أن يتخذ في هذا السياق هو دور المحافظين في تحسين هذا الواقع، من خلال مجموعة من السياسات الشاملة التي تؤثر بشكل إيجابي في الأحياء السكنية على المدى القصير والطويل.

المشاكل البيئية والتنظيمية في الأحياء

من المشاهد المؤلمة التي تستفز مشاعرنا جميعًا هي رؤية الأطفال وهم مضطرون للسير في الشوارع بسبب ضيق الأرصفة واعتداءات الأفراد عليها. هذا الأمر يعرضهم لخطر السيارات، خصوصًا تلك التي يقودها شباب مستهترون دون ترخيص أو مراعاة للقوانين. تتكرر هذه الظاهرة بشكل يومي في معظم الأحياء، وهي تعكس إهمالًا في التخطيط الحضري وفي الرقابة على سير العمل في الشوارع.

وفي العديد من الأحياء، تُترك الأنقاض من عمليات البناء في الشوارع والأرصفة، مما يشوه المنظر العام ويسبب مشاكل صحية وبيئية. لا يمكننا تجاهل وجود أكوام من الحجارة والخشب أو الحديد التي تعيق الحركة وتعرض الأرواح للخطر. هذه الظاهرة تسهم في نشر الفوضى وتدهور البيئة المحيطة بشكل كبير، وهي تعد واحدة من المشكلات التي تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين.

أحد أكبر القضايا التي تؤرق السكان هي غياب المتنزهات العامة والملاعب الآمنة للأطفال في العديد من الأحياء. وفي حال وجود هذه الأماكن، فإنها غالبًا ما تكون مهملة أو تصبح مرتعًا للخارجين عن القانون. غياب هذه المرافق الحيوية يؤثر على صحة الأطفال النفسية والجسدية، ويقلل من الفرص التي يمكن أن يحصل عليها الجيل الجديد للاستمتاع بطفولته في بيئة صحية وآمنة.

منغصات في الشكل العام للأحياء

تشوه الأحياء في بعض الأحيان بسبب المناظر غير المنظمة، مثل اليافطات الإعلانية المعلقة بشكل غير قانوني على الجدران أو الأسوار المهملة التي تحتاج إلى طلاء وصيانة. أيضًا، الحفر المنتشرة في الأرصفة والشوارع، وعلامات الشوارع الباهتة، وعدم وجود صيانة كافية للمرافق العامة، كلها تساهم في خلق بيئة غير آمنة وغير جذابة. هذه المناظر تعكس صورة سلبية عن مستوى الخدمات والبنية التحتية في المدن، مما يساهم في انخفاض الثقة بين المواطنين والحكومة.

دور المحافظين في تحسين الواقع

إن تحسين واقع الأحياء يتطلب تدخلًا فعالًا ومباشرا ومستمرا مع المتابعة الدورية والتقييم والتقويم من خلال المحافظين والحكام الإداريين على عدة أصعدة مع كل المسؤولين. أولاً، يجب العمل على تحسين البنية التحتية في هذه المناطق، من خلال تحديث الأرصفة، وزيادة المساحات الخضراء، وإنشاء وتنظيم ملاعب الأطفال. يجب أن تكون هذه التدخلات جزءًا من خطة استراتيجية طويلة الأمد، لا تقتصر على مجرد حلول وقتية أو تجميلية.

ثانيًا، يجب على المحافظين التأكد من تنفيذ معايير الأمان والسلامة العامة بشكل صارم. على سبيل المثال، يجب الاهتمام بصيانة أعمدة الكهرباء، وإغلاق الحفر في الطرقات، وتوفير الإشارات المرورية بشكل واضح. كل ذلك يساهم في تقليل الحوادث ويعزز من سلامة السكان.

إن دور المحافظين يجب أن يتوسع ليشمل الإشراف والمتابعة على الأداء العام من خلال أجهزة المحافظة والحكام الإداريين كالمتصرفين ومديري النواحي. لا يقتصر الأمر على متابعة أعمال البلديات فقط، بل يجب أن يشمل التنسيق مع مديريات التربية والصحة والأشغال والبلديات والتنمية والمياه والطاقة، وكل مديريات الوزارات الأخرى لضمان جودة الخدمات المقدمة للمواطنين في كل المجالات. فمثلاً، يجب التأكد من أن المدارس في الأحياء مجهزة بالبنية التحتية المناسبة، وأن مرافق الصحة العامة تتوافر في المناطق التي تحتاج إليها، كما يجب متابعة مشاريع الطرق والصرف الصحي والمياه لضمان تنفيذها وفق أعلى معايير الجودة.

تعزيز ثقافة المشي والنقل العصري

من القضايا الحيوية التي يجب أن توليها السلطات المحلية اهتمامًا كبيرًا هي مسارات المشاة. فإعادة تنظيم وتوسيع الأرصفة لتشجيع ثقافة المشي في الأحياء ليس فقط يسهم في تحسين صحة السكان، بل يقلل أيضًا من استخدام السيارات ويخفف من الزحام المروري. إضافة إلى ذلك، يجب تحسين سلامة طلاب المدارس الذين يواجهون خطرًا دائمًا أثناء تنقلهم سيرًا على الأقدام إلى مدارسهم. لذا، من الضروري توفير مسارات آمنة ومحروسة للطلاب في محيط المدارس.

كما أن تعزيز ثقافة النقل العصري من خلال تطوير أنظمة النقل العام يجب أن يكون ضمن أولويات الخطط التنموية. يجب أن يتم التوقف والتحميل في محطات ثابتة وفقًا لأوقات منتظمة، مما يسهم في تنظيم الحركة ويزيد من راحة المستخدمين. من المهم أيضًا تطبيق نظام الدفع الإلكتروني للباصات، بالإضافة إلى التتبع الإلكتروني للمركبات العامة لضمان وصولها إلى محطاتها في الوقت المحدد. هذه الأنظمة الحديثة تساهم في تقليل التلوث البيئي وتنظيم حركة المرور بشكل أكثر فاعلية.

التوعية المجتمعية والمشاركة الشعبية

علاوة على ذلك، فإن التوعية المجتمعية تشكل جزءًا مهمًا من هذا العمل. يجب أن تكون هناك برامج توعية لزيادة الوعي لدى السكان حول كيفية الحفاظ على نظافة الأحياء والتعامل بشكل إيجابي مع البيئة المحيطة. فالتعاون بين السكان والسلطات المحلية في هذه القضايا سيكون له دور كبير في تحسين واقع هذه الأحياء.

إن مشاركة المواطنين في تحسين واقع الأحياء لا تقتصر على النظافة فحسب، بل تشمل المشاركة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالبنية التحتية وتنظيم الأنشطة الاجتماعية في الأحياء. يمكن للمواطنين من خلال مجموعات أو فرق الأحياء أن يسهموا في تقديم الأفكار والاقتراحات التي من شأنها تحسين الحياة اليومية في مناطقهم.

دور الرقابة في تحسين الخدمات

كما يجب أن تولي السلطات المحلية اهتمامًا خاصًا للمشروعات المتصلة بالنظافة العامة وصيانة المدينة. يجب أن يتم مراقبة التزام الشركات التي تتولى عمليات النظافة والصيانة بالعقود الموقعة معها، وتطبيق آليات صارمة لضمان تنفيذ هذه المهام بكفاءة وفاعلية. لا بد من وجود رقابة مستمرة من خلال ديوان المحاسبة والدوائر الرقابية في المؤسسات التي تعود لها هذه العطاءات، لضمان متابعة واقع النظافة في الأحياء بشكل دوري ومقارنته مع بنود وثيقة العطاء وشروطها المرجعية.

التحديات المستقبلية وفرص التحسين

في الختام، إن تحسين الأحياء في المدن الأردنية ليس أمرًا صعبًا، بل هو بحاجة فقط إلى المتابعة المستمرة، وتنسيق الجهود بين المحافظين والمواطنين. إذا تم الالتزام بهذه الخطوات، فإن الأحياء الأردنية يمكن أن تصبح بيئة أكثر أمانًا وجمالًا، مما ينعكس بشكل إيجابي على حياة السكان وحالتهم النفسية، ويزيد من ثقتهم في مؤسسات الدولة وأداء الحكومات المحلية.

لكن يبقى أن نعي أن التحديات المستقبلية تتطلب إصلاحات أكبر على مستوى السياسات الحضرية، بما في ذلك التطوير المستدام للمدن بما يتماشى مع متطلبات العصر وتوجهات النمو السكاني. إن تعزيز الشراكة بين الحكومة والمجتمع المدني، وتنفيذ استراتيجيات شاملة تضمن تحسين البنية التحتية والبيئة الحضرية، هي أساس تحقيق التنمية المستدامة التي تخدم الأجيال القادمة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى