الهوية، الوعي، والدولة: من دفع بأبنائنا إلى الشارع؟”

بقلم: لؤي البشير

في المشهد الأردني الراهن، لم تعد بعض الجامعات مجرد مؤسسات أكاديمية، بل تحولت إلى منصات مفتوحة للجدل السياسي والاجتماعي، وإلى ميادين تصدح فيها الهتافات وتتلاقى فيها الرؤى ، بعضها وطني، وبعضها الآخر مؤدلج، مشوّه، أو مدفوع بأجندات تتجاوز حدود الجامعة، بل وحتى الوطن.

السؤال الذي يفرض نفسه اليوم بقوة وجرأة: من دفع بأبنائنا وبناتنا إلى معترك الشارع السياسي؟
هل كانت الصحوة الوطنية الذاتية وحدها كفيلة بإشعال جذوة الحراك داخل الجامعات، أم أن هناك أطرافاً تسللت، وغذّت، وحركت؟ هل تم تحصين طلابنا أكاديمياً، فكرياً، ووطنياً بما يكفي ليميزوا بين الحق في التعبير، والوقوع في فخ التحريض والتجييش؟

الجامعات، كما يعلم الجميع، بيئة خصبة. فهي الحاضن الأكبر للعقل الشاب، للانفتاح، للغضب، للحلم، وللثورة. وهي أيضاً مساحة هشة، مفتوحة أمام من يريد أن يتحصن خلف الطلاب، يوجّههم، يحرّكهم، ويراقبهم. من هنا، يصبح السؤال مشروعاً: ما مدى يقظة الدولة ومؤسسات التعليم العالي تجاه هذا الواقع؟ وما حجم القصور الذي سمح بدخول أفكار عبثية، وأيديولوجيات مأزومة، وتشكيك مرضيّ في الدولة، في السياسات، وفي الرموز؟

• حين تغيب العدالة، تُولد الفجوة

القصور لا يكمن فقط في الاختراق، بل في ضعف خطاب الدولة التفاعلي مع الشباب. إن المواطنة في القانون المدني الأردني تكفل حرية التعبير، ولكنها أيضاً ترتبط بمسؤوليات، وعلى رأسها الإيمان بالدولة ومؤسساتها. إلا أن الإيمان لا يُفرض، بل يُبنى، ويُزرع، ويُغذّى.

فإذا شعر المواطن، والطالب تحديداً، أن حكومته بعيدة، أن قضاياه لا تجد آذاناً صاغية، وأن وعيه السياسي يُعامل بالشك لا بالاحترام، فستتولد الفجوة بين الهوية الوطنية، والانتماء الحقيقي، وبين الدولة كرمز ومؤسسة.
وحينها يصبح من السهل على أي خطاب راديكالي أو شعبوي أن يتسلل إلى العقول، ويصور الوطن كخصم، لا كحضن.

• الهوية الأردنية الواحدة بشتى الأصول والمنابت

مصلحة الأردن، الوطن والدولة والديرة الكبيرة التي تضمنا جميعاً على ترابها الطاهر، تكمن اليوم في تعزيز مفهوم الانتماء الجامع، لا الضيق. هذه الأرض التي نشأنا عليها، بكل أطيافها، هي وطن واحد، لا وطنين. عشيرة واحدة، لا عشائر متفرقة.
لكن هذا الانتماء لا يكتمل دون أن يشعر المواطن أن صوته مسموع، وأن رأيه مؤثر، وأن حكومته تقف إلى جانبه في القضايا الكبرى ، سواء كانت داخلية: كالتعليم، والبطالة، والعدالة الاجتماعية أو إقليمية: كالقضية الفلسطينية التي تمثل اختباراً حقيقياً لنبض الشارع العربي ووعيه السياسي.

• نحو إعادة بناء العلاقة بين الدولة والمواطن

الحل ليس في القمع، ولا في التبرؤ من المسؤولية، ولا في شيطنة الشباب، بل في إعادة بناء العقد الاجتماعي على قاعدة الاحترام، والمصارحة، والتوازن بين الحقوق والواجبات.

لا بد أن نرى الشباب شركاء، لا خصوماً. وأن نفعل دور الجامعات كمراكز وعي لا مراكز صراع. وأن نصنع إعلاماً يفهم هذا الجيل، ويكلّمه بلغته، دون وصاية.

وأن تكون الحكومات على قدر المسؤولية الوطنية، لا فقط في فرض القانون، بل في تجديد الثقة بين المواطن ودولته. وعندها فقط، سنحصّن أبناءنا من أي اختراق، وسنضمن أن تعود الهوية الأردنية الواحدة المدنية، الواعية، والجامعة إلى موقعها الطبيعي: فوق كل خلاف، وفوق كل تشكيك.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى