نهج جديد لمستقبل خالٍ من التدخين يبدأ من انتهاج سياسة الحد من المخاطر

رغم الجهود المستمرة للحد من التدخين، لا تزال معدلاته مرتفعة، مما يسبب أضراراً صحية واقتصادية جسيمة. في هذا السياق، فإن استراتيجيات تقليل المخاطر يمكنها أن تقدم حلاً أكثر فعالية من الاستراتيجيات التقليدية المتبعة في غالب دول العالم.

هذا الأمر، أكدته الكاتبة خبيرة الممارسة السريرية في مستشفى جناح، ومستشفى ساوث سيتي في كراتشي، والتي تعمل حالياً في مستشفى إيست سُري في المملكة المتحدة، الطبيبة سابا تهيم، في مقالة نشرتها مؤخراً عبر صحيفة The News International التي تعد من أكبر الصحف الإنجليزية في باكستان، والتي تتميز بتقاريرها التحليلية في مجالات عدة أبرزها الصحة.

وقالت الطبيبة تهيم بأنه معدلات التدخين لم تنخفض في الاتحاد الأوروبي منذ العام 2020 سوى بنسبة 1% فقط، وهو ما يشير إلى بطء التقدم نحو تحقيق بيئة خالية من التدخين، وذلك وفقاً لنتائج تقرير اليوروباروميتر الاستقصائي الخاص 539، والصادر عن المفوضية الأوروبية، وهو الذي يقيس توجهات وآراء المواطنين في الاتحاد الأوروبي حول قضايا محددة مثل الصحة.

وأوضحت الطبيبة تهيم، بأنها كطبيبة ممارسة في باكستنان، تلمس بشكل يومي مدى التأثير المدمر للتدخين على صحة المرضى عليها، والذي يبرز عبر أمراض عدة يعاني منها المراجعين، سواء من أمراض الجهاز التنفسي، أو أمراض ومشكلات القلب التي يكون التدخين في الغالب سبباً وراءها.

وقالت الطبيبة تهيم بأنه رغم الوعي بمخاطر التدخين التقليدي، إلا أن العديد من المدخنين يواجهون صعوبة في الإقلاع، بسبب الارتباط السلوكي الذي يتطور مع مرور الوقت والذي قد يتسبب بالإدمان على النيكوتين. وعلى الرغم من عقود من حملات التوعية واللوائح الصارمة، لا تزال معدلات التدخين في باكستان مرتفعة، كما هو الحال في معظم أنحاء العالم، بل أنه لا يتسبب في وفاة نحو160 ألف باكستاني سنوياً، هذا إلى جانب الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي يسفر عنها.

وبيّنت الطبيبة تهيم بأنه يمكن الاستدلال على بطء التقدم نحو تحقيق هدف مستقبل خال من التدخين بشكل أقل من المتوقع بكثير، من خلال النظر إلى تجربة الاتحاد الأوروبي كمثال، مشيرة إلى أنه وفقاً لتقرير الدكتور ديلون هيومان الذي حمل عنوان: “فشل في تحقيق الهدف”، فإن معدلات التدخين تراجعت منذ العام 2020 بنسبة ضئيلة جداً لم تتجاوز 1% فقط، وهو ما يعني أن الاتحاد الأوروبي قد لا يتمكن من تحقيق هدفه لعدة سنوات قادمة.

وعلى صعيد آخر، أشارت الطبيبة تهيم بأنه خلافاً لتجربة الاتحاد الأوروبي، فإن السويد تقدم استثناءً؛ حيث أنها كانت أول دولة خالية من التدخين على مستوى الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي تحقق قبل الموعد المحدد لذلك. وكانت السويد قد تبنّت نهجاً مختلفاً يعتمد على تقليل المخاطر بدلاً عن مجرد مكافحة التدخين بشكل صارم، وذلك من خلال إتاحة بدائل أقل خطراً، مثل الأكياس الفموية المحتوية على النيكوتين، والسجائر الإلكترونية، ومنتجات التبغ المسخّن.

وبفضل هذا النهج، فقد تمكنت السويد من تحقيق انخفاض كبير في معدلات التدخين، حتى أصبحت الآن نسبتها 4.5% فقط وفقاً لبيانات وكالة الصحة العامة السويدية، مقدمةً نموذجاً قوياً على الدول الأخرى الاقتداء به والاستلهام منه لإعادة النظر في استراتيجيات مكافحة التدخين لديها.

وقالت الطبيبة تهيم بأنها وبعد دراسة متأنية للأبحاث والاستماع إلى آراء الخبراء، فقد توصلت إلى قناعة بأن النهج القليدي الصارم الحالي لا يحقق النتائج المرجوة، مشددة على أن تقليل المخاطر هي الحل الأكثر واقعية وفعالية لمكافحة التدخين.

وأضافت الطبيبة تهيم بأنها ومن النظر في مختلف هذه التجارب ونتائجها، فإنها تدعم توفير بدائل خالية من الدخان للمرضى الذين لا يستطيعون الإقلاع نهائياً عن التدخين، وذلك لأهمية منتجات الحد من المخاطر بالنسبة لأولئك المدخنين الذين لن يتمكنوا من الإقلاع بالرغم من أن التوقف التام هو الهدف المثالي على الإطلاق. وأتبعت الطبيبة تهيم بأن منتجات الحد من المخاطر تقدم النيكوتين للمدخنين دون القطران والمواد الكيميائية السامة الناتجة عن احتراق السجائر، مما يقلل بشكل كبير من المخاطر الصحية، خاصة وأن الأدلة العلمية تؤكد بأن النيكوتين ليس السبب الرئيسي للأمراض المرتبطة بالتدخين بالرغم من أنه قد يسبب الإدمان، بل أن عملية الاحتراق والانبعاثات السامة الناتجة عنها هي مصدر معظم الأضرار.

وأبدت الطبيبة تهيم استغرابها من أن الاتحاد الأوروبي ورغم كافة هذه الحقائق لا يزال متردداً في تبنّي هذه البدائل؛ إذ أن دول مثل إيرلندا، والدنمارك، وهولندا قد فرضت قيوداً مشددة على السجائر الإلكترونية وأكياس النيكوتين الفموية، مركزةً على تقليل استخدام النيكوتين من خلال الضرائب والتشريعات الصارمة.

ولفتت الطبيبة تهيم بأنه وفقاً لتقرير “فشل في تحقيق الهدف”، فإن سياسات هذه الدولة لم تنجح في خفض معدلات التدخين بشكل فعّال، بل أنها أدت إلى زيادة معدلات التدخين في إستونيا على سبيل المثال، والتي تسببت التنظيمات المفرطة فيها إلى زيادة بنسبة 40%، حيث عاد المدخنون إلى السجائر التقليدية.

وعلى ذلك، فقد قالت الطبيبة تهيم بأن هذه السرديات توضح ما قد يؤدي التشديد المفرط إليه من نتائج عكسية تثبط وتؤخر الوصول إلى الهدف المنشود، مقابل ما تثبته التجربة السويدية من أن توفير بدائل خالية من الدخان، بأسعار معقولة، وضمن إطار تنظيمي مناسب، يمكن أن يؤدي إلى انخفاض حقيقي في معدلات التدخين.

وقالت الطبيبة تهيم بأنه يمكن لباكستان، التي تعاني من معدلات تدخين مرتفعة وأعباء صحية واقتصادية كبيرة بسبب الأمراض المرتبطة به، أن تستفيد من النموذج السويدي، مشددة على أن الفرصة القائمة لاعتماد نهج أكثر واقعية في مكافحة التدخين، إنما هي فرصة ذهبية وتنطوي على قدر كبير من الأهمية، من خلال دمج استراتيجيات تقليل المخاطر في سياسات الصحة العامة، كما فعلت السويد، يمكننا تحقيق تقدم ملموس في خفض معدلات التدخين في باكستان.

واختتمت الطبيبة بالتأكيد على أن مسؤولية المتخصصين في الرعاية الصحية، تتمثل في توفير أفضل الحلول الممكنة للمرضى، وهو ما يوجب على باكستان تبني نهج أكثر براغماتية، داعية الأطباء الزملاء وصناع القرار والمنظمات الصحية إلى إعادة النظر في استراتيجيات مكافحة التدخين وإدراج سياسات الحد من الضرر ضمن خطط مكافحة التبغ؛ ذلك أن الأمر لا يتعلق فقط بخفض أعداد المدخنين، بل بإنقاذ الأرواح.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى