هل تملك وزارة الإدارة المحلية خطة؟ وما هو مستقبل محافظاتنا التنموي؟

كتب أ.د. محمد الفرجات

لطالما كانت توجيهات جلالة الملك عبد الله الثاني واضحة تجاه تحقيق التنمية الشاملة في المحافظات، من خلال إنشاء صندوق لتنمية المحافظات، ووضع خطط استعمالات أراضٍ، وخارطة استثمارية لكل محافظة، وإطلاق مجالس اللامركزية، والمدن التنموية والصناعية، وشركات التطوير.

هذا الطموح الملكي يهدف إلى تحويل المحافظات إلى محركات تنموية منتجة، تخدم أبناءها وتحقق الرفاه لهم، وتدر عوائد على خزينة الدولة.

الوزير نشهد له بالقوة والكفاءة وحسن الأداء، لكن هل تملك وزارة الإدارة المحلية خطة استراتيجية واضحة لتحقيق هذا الهدف؟ ولماذا ما زالت المحافظات تنشد التنمية بينما يعاني شبابها البطالة وسكانها الفقر؟

الواقع التنموي للمحافظات: طموح كبير، وتنفيذ متعثر

تتجه الدولة الأردنية نحو جعل كل محافظة محوراً اقتصادياً منتجاً بميزتها التنافسية، وفقاً لموقعها الجغرافي، مواردها الطبيعية، بنيتها التحتية، مواردها البشرية، وصناعاتها وزراعتها وسياحتها.
ويفترض أن تمتلك كل محافظة خطة تنموية استراتيجية مبنية على تحليل SWOT، وخارطة استثمارية، وخطط لاستخدامات الأراضي.

كما يوجد في معظم المحافظات كيانات تنموية كمدن صناعية أو شركات تطوير وهيئات مستقلة، إلى جانب مجالس بلدية ومحافظات (لامركزية) وموازنات سنوية.

لكن تبقى الأسئلة المقلقة:

أين ذهبت الأموال التي أُنفقت عبر العقود؟

كم فرصة عمل حقيقية خُلقت؟

ما مدى التنسيق والتكامل بين الجهات المحلية (بلديات، مجالس محافظات، دوائر الدولة، جامعات، قطاع خاص)؟

هل المحافظ قادر على قيادة محافظته تنموياً في الوضع الحالي؟

وهل لدى وزارة الإدارة المحلية خطة واضحة ومحددة زمنياً لتفعيل هذا الدور؟

فجوة بين الخطط المركزية والتنفيذ المحلي:

رغم أن الحكومة المركزية تضع مشاريع رأسمالية لكل محافظة ضمن الموازنة السنوية، إلا أن نتائجها التنموية ضعيفة.
وخطة التحديث الاقتصادي، رغم أهميتها، لم تُعاير جيداً على واقع المحافظات ولم تُسقَط بشكل فعلي على الأرض، وبدأت تُطرح كلفة تنفيذها بعشرات المليارات… وهي أرقام مثيرة للقلق.

لا بديل عن تمكين المحافظات:

لا يمكن ترك المحافظات في حالة انتظار دائم للحكومة المركزية في عمان. بل يجب تمكينها عبر:

تفعيل دور المحافظين، رؤساء البلديات، ومجالس اللامركزية.

بحث تشكيل مجلس تنفيذي أعلى في كل محافظة، برئاسة وزير سابق مخضرم، وعضوية المحافظ والمتصرفين ورؤساء البلديات ومجالس المحافظات، وخبراء من المجتمع المحلي.

العمل وفق خطة تنموية استراتيجية شاملة، تربط المحافظات بخطط التحديث الوطنية وتوجهها نحو الإنتاجية.

الحاجة إلى تشريعات حقيقية، لا إدارة تقليدية:

لا يمكن أن تبقى المحافظات تُدار بشكل تقليدي بينما تعاني من فقر وبطالة وضغوط اجتماعية وسياسية.

ولا يجوز أن تبقى ردود الفعل الرسمية في المحافظات محصورة بالإضرابات أو الاعتصامات أو المواجهات (والأمثلة كثيرة على مدى العقود الماضية)، وما تتركه من كُلف سياسية واقتصادية.

رئيس الوزراء دولة د. جعفر حسان يضبط المسار وكما تشير بوصلة الرؤية الملكية، وبدأنا نلمس ذلك في المحافظات… ونحتاج إلى رجال دولة من هذا الطراز ليضبطون الإيقاع، ويشاركون المواطن قراراته التنموية، ويبثون التفاؤل من خلال التقييم والمتابعة والتقويم، على وقع رؤية وتوجيهات سيد البلاد.

نموذج أول: إسقاط مديونية البلديات وجامعات الأطراف

إقترحت عبر منتدى الابتكار والتنمية الأردني ومنتدى النهضة ودعم الإنتاج، تحويل مديونية البلديات (350 مليون دينار) وجامعات الأطراف (175 مليون دينار) على الحكومة المركزية ضمن آلية في وزارة المالية.

توقعاتنا أن يؤدي ذلك إلى:

انتعاش غير مسبوق في الخدمات البلدية.

تفعيل دور الجامعات التنموي والبحثي.

توليد آلاف فرص العمل.

تحفيز الاستثمار في المحافظات.

مقابل ذلك، يمكن ربط الخطوة بمؤشرات أداء، وفِرق رقابة، ومتابعة حقيقية في الوزارات المعنية.

نموذج ثانٍ: رؤية تنموية متكاملة للمحافظات، مثال من الطفيلة:

في زيارة ميدانية لي للمخيم السياحي البيئي في الطفيلة عام ٢٠٢٢ بضيافة مؤسسه الصديق الأستاذ أحمد السعودي، فكرت بمستقبل محافظة الطفيلة العزيزة علينا، وخرجت بنموذج تنموي متكامل للمحافظة، يتضمن:

1. تأسيس مجلس تنموي أعلى بقانون خاص، يضم ممثلي الإدارات المحلية، الصناعة، البيئة، الفوسفات، الجامعة، والمجتمع المحلي.

2. صلاحيات مالية وتنموية للمجلس تشمل التخطيط، التشغيل، تطوير البنى التحتية، والخدمات.

3. تخصيص إيرادات من تذاكر دخول محمية ضانا، ورفعها إلى 25 ديناراً للسائح الأجنبي.

4. تسجيل محمية ضانا على قائمة اليونسكو، وضم الطفيلة إلى “المربع السياحي الذهبي” مع البترا ووادي رم والعقبة.

5. إنشاء منظومة تعاقدية مع المجتمع المحلي السياحي لتفعيل السياحة البيئية والحرفية.

6. إعداد مخطط شمولي لعشرين سنة قادمة، وخطة تنفيذية لخمس سنوات توفر 5000 فرصة عمل وتزيد دخل المحافظة الاجمالي إلى 100 مليون دينار سنوياً.

7. تعاون أفقي بين مختلف المؤسسات، وتحفيز الصناعات الابتكارية والتعدينية، واستحداث حاضنات أعمال في قرى المحافظة.

8. أراضي الدولة تحت ولاية المجلس لتطويرها واستثمارها ضمن الرؤية.

9. إسناد المجلس بمجلس استشاري منتخب من المجتمع المحلي.

10. ربط المجلس بهيكل تنفيذي مرتبط برئاسة الوزراء مباشرة.

نجاح هذا النموذج في الطفيلة يمكن تعميمه على باقي المحافظات، مع مراعاة خصوصية كل منها.
الكرة اليوم في ملعب وزارة الإدارة المحلية.

السؤال الحاسم: هل تمتلك الوزارة خطة واضحة لتفعيل التنمية المحلية وتحويل المحافظات إلى محركات إنتاج؟

الفرص قائمة، والرؤية الملكية واضحة، والضغوطات الاقتصادية والاجتماعية لا تحتمل مزيداً من الانتظار.

إما أن نتطور، أو ننقرض… كما يقول منطق الحياة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى