الرجوب يكتب : ميثاق الأرواح: الخلود بين المآذن والأجراس
د. عمّار محمد الرجوب

في عالم مزقته النزاعات وأضنته الصراعات، ينبثق من قلب الإنسانية نداء خالد، لا يكتبه الحبر بل تخطه الأرواح على صفحة الوجود: ميثاق الأرواح.
إنه ميثاق التعايش الإسلامي المسيحي، الذي يؤمن أن اختلاف الأديان ليس انقسامًا في الجوهر، بل تنوعًا في تجليات النور الواحد.
ومن هنا، ومن بين صدى المآذن ورفيف الأجراس، نعلن أن الإيمان الذي لا يُثمر محبة مشتركة إيمان ناقص، وأن التعايش ليس خيارًا بل قدرٌ خالد.
وكما قلت في شهادتي:
” لا تقاس الحضارات بما بنت من جدران، بل بما شيدت من جسور بين الأرواح”
نجدد العهد أن نكون سفراء النور، رعاة المحبة، وحملة الرسالة التي تشهد أن الله أكبر من كل خلاف، وأعظم من كل فرقة.
في روما، حيث تشهد الأبراج العتيقة على ميلاد الحضارات وسقوطها، وحيث تعانق الغيم مع الحجر والزمان، خطا جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وجلالة الملكة رانيا العبد الله، لا كعابرين في الدروب، بل كرمزين خالدين للسلام الإنساني.
لم يكن اللقاء طقسًا عابرًا، بل شهادة حية أن الإسلام والمسيحية ظلال لشجرة واحدة، وأن الأنهار مهما اختلفت منابعها، تصب جميعها في محيط الإنسانية الكبرى.
هناك، في لحظة امتلأت بالدهشة والرهبة، صدح جلالة الملك عبد الله الثاني بكلمة حفرتها الأيام في ذاكرة الروح:
“لا خلاص للبشرية إلا بأن ترى كل دينٍ في الآخر نورًا لا خصمًا”
(جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين)
ولأن الروح إذا أضاءت أضاءت معها الحروف، اقول انا
“لا تقاس الحضارات بما بنت من جدران، بل بما شيدت من جسور بين الأرواح”
ومن هذا التلاقي الخالد، تكتب الأرواح ميثاقها الأبدي:
أن التعايش ليس تنازلًا، بل تحققٌ أعلى للإنسانية.
وأن الإيمان الحق لا يُحاصر الآخر بل يحتضنه.
وأن الله، الذي بث نوره في كل قلب، لا يرضى إلا بمحبة تتجاوز الأديان نحو إنسانية أسمى.
التعايش هو أن تصغي إلى الله في صلاة غيرك كأنك تصلي،
أن ترى في اختلاف الشعائر تجلياتٍ متعددة لجلال واحد،
أن تدرك أن السلام ليس صمت البنادق فقط، بل انفتاح القلوب على بعضها البعض.
هنا، حيث يعلو الأذان جنبًا إلى جنب مع قرع الأجراس،
يتجلى الوعد القديم بأن الأرض لله، وأن الإنسان صورته في العالم.
حين تخبو كل ضوضاء الفرقة، ويسكن الغبار، لا يبقى إلا الحنين إلى الأصل الواحد.
الحنين إلى السلام،
الحنين إلى الإنسان،
الحنين إلى الله.
ولهذا نختم ميثاقنا بأبيات تسكن في عمق الوجدان من شعري :
إسلامُنا قبسٌ، ومسيحُنا سفرُ
كلاهما للنورِ مولدُهُ ومسراهُ
فيا قلبُ، سرْ نحو السلامِ مهاجرًا
فإن الذي يزرعُ الحبَّ يحيا في رضاهُ