تعطيل الانتخابات الفلسطينية  

أثار اعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس تأجيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية إلى أجل غير مسمى، غضبًا واسعًا في الشارع الفلسطيني، الذي انتظر بكثير من الترقب عملية الاقتراع لاختيار مجلس تشريعي فلسطيني جديد في نهاية شهر أيار الجاري، وطي صفحة الانقسام، وتحقيق المصالحة، واستعادة الوحدة الوطنية، وسوغ أبو مازن قراره بتأجيل الانتخابات إلى عدم سماح اسرائيل بإجرائها في مدينة القدس.  

لقد كان معروفًا للجميع، ولا سيما منذ نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس، واعتراف الرئيس الأمريكي السابق ترامب بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، أن اسرائيل لن تسمح بإجرائها في القدس.  

كان من المفروض والضرورة اجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس رغم أنف الاحتلال، وجعلها مقاومة شعبية وأداة للوحدة الوطنية في مواجهة الاحتلال وممارساته التعسفية.  

هنالك أسباب اخرى جعلت عباس تعطيل الانتخابات، بل الغائها بشكل غير مباشر، تجاوبًا مع وجهات النظر الأمريكية والاسرائيلية وبعض الجهات العربية، وذلك تخوفًا مما ستفرزه الانتخابات من نتائج قد تنعكس على حالة الصراع الداخلي في حركة فتح، وظهور تيارات ومعسكرات واجنحة جديدة يكون لها التأثير وكلمة الفصل في اتخاذ القرارات وصياغة الطروحات السياسية، ورسم ملامح المشروع الوطني الكفاحي التحرري الراسخ والثابت لمواجهة اتفاق اوسلو، وإقامة تحالفات جديدة، وتشكيل حالة وطنية تتحدى وتقاوم الاحتلال وتغير حساباته.  

لقد ظن محمود عباس بانه سيضمن له فترة رئاسية قادمة وشراكة تمنحه أكثرية في المجلس التشريعي ومنظمة التحرير الفلسطينية، لكن حساباته وتوقعاته تبخرت كفقاقيع الصابون، بعد خروج ناصر القدوة ابن أخت الراحل ياسر عرفات من حركة فتح، وتشكيله مع مروان البرغوثي القابع في سجون الاحتلال، قائمة منفصلة عن فتح- أبو مازن والقيادة المتنفذة. وقد رأى أبو مازن بأنه سيصاب بانتكاسة وهزيمة كبرى في حال جرت الانتخابات في الوقت الراهن، خصوصًا أن الأسير مروان البرغوثي أعلن عن نيته الترشح لمنصب الرئاسة، وهو المنافس القوي الوحيد القادر على الفوز وهزمه في انتخابات الرئاسة، وعليه فقد خشي أن يفقد الرئاسة، وهو لا يزال يطمح، رغم جيله العمري المتقدم، أن يظل رئيسًا لفترة أخرى، ويكون ربان السفينة الفلسطينية في المرحلة القادمة.  

هذه هي الأسباب الحقيقية التي دفعت بعباس تأجيل الانتخابات، بل الغائها، والتي انتظرها شعبنا بكل قطاعاته وشرائحه الواسعة وقواه الوطنية والاسلامية سنوات طويلة، وليس لدينا أي شك أنها لن تجرى في الوقت القريب.  


 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى