رسالة امتنان إلى البطريرك ثيوفيلوس
جئتكم اليوم أنا الأردني الذي أعتادَ الحجّ إلى المغطس عند بيت عنيا عبر الأردن، حيث نهرُ الإيمانِ والعبقريةُ والتاريخُ. فالوقوف في بقعتها يحمل الحاجّ الى ذروة الصّفاء. وتكتملُ وقفةُ المهابةِ هناك عندما يحجّ الخاشعُ بالرّوح الى قِبلةِ المسيحيين في قُدس الفداء وقبر الخلاص.
وأدنو للسّلام على سُدّة مار يعقوب في الكنيسة الأولى التي اختبرت منذ البدايات وفي عهد داكيوس عام 251، مواجهة الظلم الكبير حتى عام 313، وقدمت العديد من الشهداء.
ومن عمّان أتوجه بالقلب الى القدس حاملاً مشرقيّة أردنية، تحترم المقدس وتقدس المحترم، وتوقّر كلّ جرأة وصلابة في التمسّك بالحق.
أطالع سيرة السّدّة التي جلستم عليها وأسلافكم المئة وألاربعون. أنحني أمام الرّسول يعقوب أخي الرب وتاريخٍ ممتدٍ على مدى عشرين قرناً، ظلّ فيها الحفاظ على إرث يعقوب المقدسي الركن الأصيل والأساس العتيد للحضور المسيحي.
أكتب إليك يا صاحب الغبطة، فيما بطريركية القدس تسجّل ومعها أخواتها، مشهدأ من الجرأة وفهماً للمتغيّرات وصموداً عبر التقلبات، بإستقرارٍ على نهج من حكمة فريدةٍ تختلط فيها الصلاة الدائمة وطقوس التعبّد في الكنائس وإكرام مواقعِ الأحداث الخلاصية وحجيجها ، ووعي لرسالة الحجارة الحيّة وشهادتها في بيت المقدس
***
البطريرك المبجل
.. واقرأ اليوم مقالتك في “التايمز” فألمح بين سطورك رمزية لاهوتية وأنت تُعبّر، بعنادِ المؤمن، وبعيداً عن كلّ اللهجات الثورية، عن موقفٍ حازمٍ رافضِ لكل اعتداءات الجماعات العنصرية، ومواجهة المتطرفين، يعلو فيه صوت الحق الذي ينتهي بغاياته الأجلّ إلى إصرار على حماية الهوية المقدسية والحضور المسيحي، وينتصر للحق العربي.
يا صاحب الغبطة
وتأخذوننا معكم في موقفكم هذا في حجّ الى حقّ القدس في طريق الحقوق، مع القدس وبالقدس. انه طريقٌ وللأسف تركه الكثيرون.
الراعي أي راعٍ والمسؤول أي مسؤولٍ يقام على رعية وأرض وإرث وتاريخ، عليه، ليكون أميناً، أن يدرك أن أولى تصدياته، لمواجهةٍ تنتهي بكسر اجندات التطرف والعنصرية -وذلك أضعف الإيمان- لا بد ان تبدأ بإنتماء قائم على إيمان واعٍ برسالة المكان والإنسان.
وفيما ترسمون صورة الأمانة لسيد الفداء صاحب الصليب، تعيد تلك السطور التذكير بالإنتماء إلى نور الإيمان وتعلّقٍ بقبر النُّور، وتعلن موقفاً يبتعد عن فعل الاستنكار، ليكشف صموداً، ما كان قطّ مجانياً ولا ترفياً، ودفاعاً عن حضور مسيحي في حاضرة الصلاة والسلام.
الشجعان يا صاحب الغبطة يتفقون..
إنّكم بهذا الموقف تسطّرون أيضاً دعماً للحقّ عند الأقصى المبارك فيما اخوتكم المقدسيّون الذين لا يتردّدون في القبض على جمر الشهادة للحق، يخطّون بالتضحية موقف مواجهة كل تدنيس يرتكبه افراد الجماعات الصهيونية المتطرفة.
وهكذا يبرز في مشهد من التاريخِ مهيبٍ، ذلك اللقاء الوئامي عند أبواب بيت المقدس بين العظيمين العربيّين الفاروق الآتي من أرض القبلة الثانية وأبن عمه صفرونيوس بطريرك القبلة الاولى.
يا صاحب الغبطة
طريق الحق واحد والدرب المؤدية الى الحق واحدة وسبل الحق قويمة ولا يراها الا المبصرون. إنه طريق نفهمه نحن هنا، إنه يتجلّى في جهد عماننا الهاشمية التي لم تبخل يوما في سخائها وعشقها ورعايتها للقدس وأهلها وإعمار مقدساتها
فسلام على كرسيّ مار يعقوب وإرثه من عمان الحاضرة الأولى والوحيدة التي تنصت للقدس، ولآلام القدس في القيامة المقدسة والأقصى المبارك
وسلامٌ على كل من ينصتون لما تقوله عمان مدينة العرش الهاشمي وتوأم القدس.
وشكرا لكم ولكلّ اخوتكم في كنائس القدس الشاهدة “للنّور الحقيقي الذي ينير ويقدّس كل انسان آت الى العالم”، وانتم ترسمون بجرأة الواثق ومن على سدة الأسقف الأول يعقوب، أيقونة صمود، وتبايعون عبد الله الثاني وريث عهدة إيلياء، الحامل رسالة الوصاية إرثاً وموقفاً وجهداً.
نرفع القبعات لشجاعة المقدسيين ولكل شجاعةٍ تنتصر للقدس وانتم تعطون دروساً في رفض ممارسات المتطرفين وشرورهم
والإمتنان لكم ولحسّكم الروحي والانساني ولأمانتكم لمدينة القيامة
الاب نبيل حدّاد