بشار القاضي يكتب: قليل من الضمير قبل النشر !
قليلٌ من الناس، بل اقلُّ القليل، يحث نفسه ولو لمرةٍ على الرجوعِ لمصدر المعلومة الذي تلاشى مع عبور الزمان حتى اصبح في زمننا هامشاً لا يمتُّ للمعرفة بصلةٍ، و انما كلُّ ما عُرفَ من العرُفِ و التقليد يطبق كأن الدليل القاطع على حقيقته و صدقِ قائلهِ موجود بين أَيدي الناس اينما ذهبوا، فلا يُذاع الخبر حتى تصدقهُ و تباشرُ في نشرهِ عقولٌ متراصةٌ متناسخةُ الاذهان، كلما سُرِّب اليهم معلومة مهما كانَ مصدرها، ينهالونَ بكل طاقاتهم لنشرها و كأنها دينٌ جديد، فتتناثر في كل ارجاء العالم في غمضةِ عينٍ، بادئةً بفكرةٍ معينة، و منتهيةً بفكرةٍ لا تمتُّ للأولى بأي صلة، حتى تختفي عن الأنظار معتليةً صفحة الذكريات التي قد لا يسن لها فرصة المرور على رأس أحدهم مرَّةً أُخرى، من غيرِ أن يُعرفَ مصدرها، ولا قائلها، ولا صانعها ولا ناشرها حتى، فيستمرُّ الإنسان بحياتهِ بعدَ اختفاء الخبر و كأن شيئًا لم يكن، و هو غيرُ مدركٍ بأنَّ هذه المعلومةَ التي ساهمَ بنشرها لم تؤخر و لم تقدِّم شيئًا في حياته، و انما ساعدَ بنشرها على حدوثِ ضجَّةً ما انفكَّ الناس عن الحديث عنها حتى ذهبت و عاشوا همُ الاخرونَ حياتهمْ كمثلهم ممَّن لم تؤثر في حياتهم هذه المعلومةُ و لم تحدث تغييرًا في مستوى ذكائهم، أو في عدد إنجازاتهم .
و هكذا تحوَّل الانسان لموصلٍ هدفهُ تشتيتُ البشرِ من حولهِ و هو غيرُ مُدرِكٍ لما فعلهُ او حتى لماذا قام بالفعلْ، فأصبح يستيقظُ كلَّ يومٍ ليُغَذِّي جسده، و يهمل عقله، و ينشر ما يرى من صور و اخبار حتَّى ينام، منتظرًا يومه التالي لفعل نفسِ ذات الشيءِ تكرارًا .