احتجاجات وأعمال شغب وصدامات بعد احتجاز “إجباري” لسوريين في تركيا
شهد مخيم “مرعش” الواقع في جنوب تركيا، ليلة الخميس، احتجاجات وأعمال شغب نفذها شبان سوريون، بعدما تقطعت السبل بهم خلال الأيام الماضية، ضمن الحملة التي بدأتها السلطات في أكثر من ولاية، لـ”مكافحة الهجرة غير الشرعية”.
وتطورت هذه الاحتجاجات إلى صدامات “من بعيد” بين هؤلاء الشبان وفرق مكافحة الشغب، والتي وصلت إلى محيط المخيم، عقب تمكن قسم من المحتجزين من الهروب إلى خارج أسواره.
ونشر مستخدمون عبر مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات مصورة أظهرت تجمع العشرات من الشبان السوريين مرددين هتافات “غاضبة”، بينما أقدمت فرق مكافحة الشغب على تفريقهم، بواسطة خراطيم المياه
#متداول
مئات السوريين يتظاهرون في مركز احتجاز "مرعش" جنوبي تركيا احتجاجاً على سوء المعاملة من قبل السلطات التركية كحرمان للماء والطعام وقطع الإنترنيت.
ذكرت وسائل إعلام أن الأمن التركي اعتقل المئات منهم على خلفية الاحتجاجات. pic.twitter.com/264XgS8b8i— NORTH PRESS PLUS (@NorthPlusArabic) June 16, 2022
وبينما تحدث فيه شبان لموقع “الحرة” أن الاحتجاجات تتعلق بطريقة احتجازهم “الإجبارية” في المخيم، ولغياب الوضع الذي سيكونون عليه أصدرت ولاية “كهرمان مرعش” بيانا الخميس علّقت فيه على ما حدث.
وجاء في البيان: “في بداية شهر يونيو الحالي تم فرض إجراءات جديدة بشأن طلبات الحماية المؤقتة الجديدة للسوريين، وعليه تم نقل طالبي الحماية إلى مراكز إقامة مؤقتة”.
وأضاف البيان أن “بعض الاضطرابات اندلعت في التاسعة مساء بين مجموعة من السوريين الذين تم نقلهم إلى مركز كهرمان مرعش للإيواء المؤقت، بعدها تدخلت وحدات حفظ النظام وفعلت ما يلزم، وتم إعادة الهدوء إلى المخيم، ولا وجود لمشكلات الآن”.
كيف وصل الشبان؟
على مدى الشهرين الماضيين وفي الوقت الذي تصاعدت لهجة العداء للوجود السوري في تركيا اتجهت السلطات إلى فرض إجراءات أكثر صرامة.
ونتيجة لذلك أطلقت سلسلة حملات أمنية في مختلف الولايات، واستهدفت بها اللاجئين الذين لا يمتلكون أوراق رسمية، أو أولئك الذين تعود قيودهم إلى ولايات مثل هاتاي وغازي عنتاب وبورصة ويقيمون في مركز إسطنبول.
الشاب السوري “خضر” كان هدفا لهذه الحملات، ويقول لموقع “الحرة” من حيث إقامته الإجبارية في مخيم مرعش: “جميع من نقل إلى هنا لا يعرف مصيره. هل سنرحّل إلى سوريا، أو سيتم توزيعنا من جديد على الولايات التركية”.
وكانت فرق من الشرطة التركية قد اعتقلته، في الأيام الماضية، حيث يقيم في مدينة إسطنبول، بسبب عدم امتلاكه لبطاقة “الحماية المؤقتة” المعروفة باسم “الكملك”.
ويضيف: “بعد إلقاء القبض علي في إسطنبول نقلتنا الشرطة إلى مركز الاحتجاز في توزلا، ومن ثم إلى مخيم مرعش”، والذي تشير التقديرات إلى احتوائه على قرابة 1000 شاب سوري، بحسب “خضر”.
عند دخوله إلى تركيا من خلال طرق التهريب لم يكن الشاب بقصد الإقامة في إسطنبول، حيث حاول العبور إلى أوروبا، الأمر الذي عرضه في السابق للاعتقال من جانب السلطات أيضا.
ولذلك يوضح “خضر” أن سبب عدم امتلاكه بطاقة “الحماية المؤقتة” يرتبط بما حصل له، حينها، والفترة التي قضاها في السجن لمدة شهرين.
“قد نبقى في مخيم مرعش لأسبوع. لأسبوعين. لشهر أو أكثر. لا نعرف وضعنا. بين اليوم والآخر يأتي إلينا مسؤول ويتحدث عن وعود بشأن الوضع الذي سنكون عليه”.
وتحدث الشاب أن حادثة ليلة الخميس كان قد سبقها عملية فرار لنحو 30 شابا، حيث تمكنوا من الهروب، نظرا للظروف التي يعيشونها.
“آلية جديدة”
ومنذ شهر فبراير الماضي كان لافتا الآلية الجديدة التي بدأت الحكومة التركية بتطبيقها بخصوص ملف السوريين في البلاد.
في ذلك الوقت قال نائب وزير الداخلية التركية والمتحدث باسم الوزارة، اسماعيل تشاتكلي، إنه لن يجري منح إقامة سياحية أو بطاقة الحماية المؤقتة للسوريين الوافدين حديثا إلى تركيا.
وقال تشاتكلي: “لن نمنح وضع الحماية المؤقتة بشكل مباشر للسوريين غير المسجلين من الوافدين حديثا، من الآن فصاعدا، وسنأخذهم إلى المخيمات ونحقق معهم في المخيمات”، بحسب مانقلت صحيفة “يني شفق”.
وأوضح: “سنرى ما إذا كانوا بحاجة إلى حماية مؤقتة أم لا، ولأي سبب جاؤوا”، مشيرا إلى أنهم “لن يسمحو بحركات هجرة مجددا، فأينما قبض على أحد ما في تركيا سيرسل إلى مخيمات محددة ويجبر على الإقامة في تلك المخيمات، ويحصل على الحماية المؤقتة في المخيم”.
وذلك ما أكد عليه مرارا وزير الداخلية، سليمان صويلو، معلنا قبل أيام أنه سيتم نقل المهاجرين غير الشرعيين إلى مراكز ومخيمات، على أن يتم فيما بعد “تقييم وضعهم العام”، وعما إذا كانوا يستحقون “الحماية المؤقتة” أم لا.
كما قال في 11 من مايو الحالي إنه “سيتم تخفيض نسبة الأجانب الذين يمكنهم الإقامة في الأحياء من 25 بالمئة إلى 20 بالمئة اعتبارا من 1 يوليو المقبل، مضيفا: “وبناء على ذلك سيتم إغلاق 1200 حي أمام طلبات الإقامة”.
وتشير الإحصائيات التي تنشرها “الداخلية التركية” إلى أن السلطات رحّلت 34 ألفا و112 مهاجرا ولاجئا، ممن دخلوا البلاد بطرق غير قانونية منذ مطلع العام الحالي.
وذكرت وزارة الداخلية في بيان، الأسبوع الماضي، أن الخطوة تأتي في إطار مكافحة الهجرة غير النظامية، مشددة على أن عمليات التفتيش المتعلقة بضبط المهاجرين غير النظاميين، مستمرة بأقصى سرعة.
في المقابل توضح بيانات نشرها معبر “باب الهوى” الحدودي إلى أن عدد المرحلين من تركيا إلى سوريا وخلال الشهر الماضي فقط بلغ 1222 شخصا.
بينما في وخلال شهر أبريل فقط بلغ عدد المرحلين عبر “باب الهوى” فقط 1323 شخصا.
“من توزلا إلى مرعش”
يتجاوز عدد السوريين المقيمين في تركيا، سواء “لاجئين” أو “سياح” أكثر من أربعة ملايين شخص.
ويتركز العدد الأكبر منهم في ولاية إسطنبول، لتتبعها ولاية شانلي أورفة الحدودية، وولايتي غازي عنتاب وهاتاي.
ورغم أن الحملة التي أطلقتها السلطات تستهدف جميع الولايات التركية، إلا أن التركيز اتضح على نحو أكبر في مدينة إسطنبول، والتي تنحصر فيها معظم عمليات إلقاء القبض و”الترحيل”.
“حسن” هو أحد الشبان الذين استهدفهم الترحيل من مدينة إسطنبول، قبل أسبوع، عندما كان عائدا من منزله إلى “ورشة الخياطة”، التي يعمل فيها في منطقة أوكميدان.
وقبل وصوله إلى مخيم “مرعش” تحدث الشاب عن جزء من الحالة التي شهدها من لحظة اعتقاله في “أوكميدان” مرورا بـ”مخفر منطقة تقسيم”، ومن ثم إلى مركز احتجاز “توزلا”، وأخيرا “مخيم مرعش”.
يقول الشاب: “مركز توزلا عبارة عن سجن من 3 طوابق. كل طابق يحيط به مهاجع وفي المنتصف ساحة وملعب. هناك الكثير من السوريين والأفغان والتركمانستان. الظروف سيئة للغاية ولا يمكن وصفها”.
ويضيف لموقع “الحرة”: “لم يكن هناك خصوصية ولو بجزء بسيط. بقينا في توزلا لـ12 ساعة، وبعدها نقلنا إلى مخيم مرعش التي تبعد قرابة 19 ساعة”.
وزاد: “كانت أيدينا مقيدة بالكلبشات. بعد وصولنا إلى مخيم مرعش تم فرزنا على الكرفانات الموجودة فيه”.
وما حصل في ليلة الخميس لم يكن “دون أي خلفيات”، بحسب الشاب السوري، الذي تابع قوله: “الشيء خرج عن حده. هم الذين أجبرونا على هذا الأمر. لم نكن نريد فعل ما حصل”.
وأوضح أن “غياب المصير الواضح في المخيم، والأوضاع السيئة التي وصلوا إليها من انعدام المصروف وحتى الملابس” سيدفعهم للقبول بالدخول إلى سوريا. “هنا سيكون الأمر طوعيا والعودة طوعية كما يدور الحديث عنها”، بحسب تعبيره.
لكن الكاتب والصحفي التركي المقرب من الحكومة، جلال ديمير اعتبر أن “المظاهرات التي حصلت داخل المخيم غير جيدة، ويمكن أن نصفها بفوضى، ولايمكن أن تصب في مصلحة من قام بها”.
وأضاف أن “نقل بعض الشباب الذين لايملكون أوراق ثبوتية تخولهم التجول والعيش في المدن التركية إلى المخيمات هو أمر لصالحهم”.
وكان ديمير مديرا لمخيم “نزيب” القريب من غازي عنتاب لمدة ثمانية سنوات.
ويتابع حديثه بالقول: “كان يأتي للمخيم شباب وعائلات من اسطنبول وغيرها. نعمل لهم قيد جديد ونستخرج لهم بطاقة الحماية المؤقتة وبعدها يحق لهم الدخول والخروج والتجول حيثما يشاؤون. العيش بالمخيم ليس سيء كما يظنه البعض ويمكنهم الخروج من المخيم والسكن في المدينة، إلا الذين لديهم مشاكل قانونية واجتماعية”.