لن تموت …!  

 

 

بقلم م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران

 

 

 

منذ أيام ومنطقتنا العربية تعيش أياماً عصيبة مع تعرض أهلنا وأحبابنا في قطاع غزة لحرب إنتقامية من البشر والحجر لغرض اجتثاث المقاومة الفلسطينية، في امتداد لجرائم الاحتلال المستمرة في أرض فلسطين المحتلة، بعد أن قررت هذه المقاومة رد جزء يسير من جرائم الاحتلال في حق الشعب الفلسطيني ومقدساته الدينية، لنرى أصوات الاحتلال تملأ الشاشات بالبكاء والعويل على إجرام الفلسطينيين، ويصل الأمر ببعضهم للمطالبة بمحو غزة من الوجود أو تلويث مياهها للتخلص من جميع أهلها، أو ترحيلهم إلى سيناء المصرية أو غيرها في نكبة جديدة لشعب فلسطين، متناسين أن نسبة كبيرة من سكان القطاع لاجئين من الأراضي المحتلة في 1948 و1967 لم يبقى لهم خيار سوى التجذر في أرضهم ولو قلب الاحتلال غزة وكل فلسطين رأسا على عقب.

 

ونسمع اليوم صراخ الاحتلال وحلفائه المتحيزين وعلى رأسهم الولايات المتحدة للتنديد بالمذبحة التي تعرض لها شعب دولة الاحتلال في أكبر مذبحة منذ أيام المحرقة على حد زعمهم، مغمضين عينهم الأخرى عن آلالاف المحارق التي يتعرض لها شعب فلسطين منذ أكثر من 75 عاماً، من احتلال نشأ على الكذب والخداع والإجرام، وعمل منذ أول يوم لقيام دولته المزعومة على ممارسة التطهير العرقي والقضاء على أي أثر لشعب فلسطين، والذي بقي حياً مع قضيته العادلة، ليستمر الاحتلال في ممارساته الاجرامية وصولاً للعام 1967 عند احتلال قطاع غزة ومدن الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية والمسجد الأقصى المبارك فيها، لتكون من أولى ممارساته فيها بعد 4 أيام من احتلالها هدم حي المغاربة العربي في البلدة القديمة وترك ما يزيد عن 6000 بلا مأوى، في ممارسات مستمرة لتهجير سكان المدينة وتهويدها مع باقي مدن فلسطين، وبرغم ذلك بقي صوت الحق الفلسطيني، ولم تمت قضية فلسطين.

 

واستمرت بعدها جرائم الاحتلال على مدار ستينات وسبعينات القرن الماضي للقضاء على الشعب الفلسطيني، والعمل على اجتثاث أي مقاومة فلسطينية أينما وجدت، والتي لقنته درساً قاسياً إلى جانب الجيش العربي الأردني في معركة الكرامة في 1968 عندما تجرأ على مهاجمة الأراضي الأردنية بهدف القضاء عليها ليعود يجر ذيول الخيبة والهزيمة، ثم يجتاح لبنان ويحاصر عاصمتها في 1982 قاطعاً عنها الماء والغذاء والكهرباء “كعادته” لأجل اجتثاث المقاومة الفلسطينية منها، وبرغم ذلك بقي الصوت الفلسطيني يصدح في كل أنحاء العالم، وصمد أبطال فلسطين وحفروا الآبار والأنفاق ومعهم أبطال المقاومة اللبنانية وأهالي بيروت في وجه آلة القتل والدمار التي هاجمت المدينة براً وجواً وبحراً لأسابيع وراح ضحيتها ما لا يقل عن 10 آلالاف مدني في أقل التقديرات الرسمية، حتى خرج هؤلاء المقاتلين مرفوعي الرأس باتفاق تعهدت بضمانه الولايات المتحدة بعدم المساس بمخيمات اللاجئين في لبنان بعد خروج المقاتلين، ليدخل الاحتلال بمجرد خروج المقاتلين إلى مخيم صبرا وشاتيلا وينتقم من المدنيين العزل في مذابح راح ضحيتها الآلاف، وبرغم كل هذه الآلام والجراح بقيت قضية فلسطين وشعب فلسطين عنواناً للتحدي، ولتنطلق في نهاية الثمانينات انتفاضة شعب فلسطين في الأرض الفلسطينية رفضاً للاحتلال وجرائمه فيخرج لها بكل جبروته لتكسير عظام الشباب الفلسطيني والتنكيل به بأنواع وصنوف العذاب والاجرام على مدار سنوات ويذهب ضحية إجرامه الآلاف، وبرغم ذلك بقيت قضية فلسطين وشعبها الأبي.

 

ولتستمر جرائم الاحتلال بعد ذلك برغم قبول الفلسطينيين بداية التسعينات توقيع اتفاق سلام لم يترك الاحتلال مصداقية ولا حتى للحبر الذي كتب به، لينفجر الشعب الفلسطيني متحدياً الظلم والاحتلال ومدافعاً عن مقدساته الدينية في انتفاضته الثانية في العام 2000 والتي استمرت 5 سنوات وراح الآلاف فيها من أبناء الشعب الفلسطيني ضحية قمع الاحتلال الذي خرج بكل جبروته لإسكات صوتهم وصولاً الى اقتحام مدن الضفة الغربية والمجازر التي ارتكبها في مخيم جنين الذي أباده بالكامل وغيرها من جرائم الحرب أمام أنظار العالم، وبرغم كل ذلك بقيت قضية فلسطين عنواناً للصمود.

 

ولنرى بعد ذلك الاحتلال يخرج مدحوراً من قطاع غزة في 2005 ويغلق عليه كل المنافذ ليحوله لأكبر سجن في العالم لأكثر من مليوني إنسان، ليعود لشن 6 حروب عليه عدا الحرب الحالية راح ضحيتها مجتمعة حتى الآن ما يزيد عن 10 آلالاف مدني، غير عشرات الآلاف من المصابين “والرقم مازال في ارتفاع”، إضافة للاعتداءات اليومية من جيش الاحتلال والمستوطنين بحق المقدسات الإسلامية والمسيحية في كل مدن الضفة، وبرغم ذلك بقيت فلسطين محفورة في قلب وعقل كل أبنائها وكل حر من أحرار هذا العالم.

 

واليوم وأخبار الاجتياح البري لقطاع غزة تتوارد والدلائل تتكشف عن خطة لدخول وحشي لقطاع غزة لإكمال الإجهاز على ما يتبقى فيه، نرى هرولة الاحتلال نحو كتابة سطور نهايته بيديه، فمهما قتل ودمر لن يزيد شعب فلسطين سوى قوة وتمسكاً بأرضه وحقه في العيش فيها بعزة وكرامة وأمان كما كل شعوب العالم، وكما لم يجني سوى الخيبة والفشل على مدار عقود مضت، لن يجني من كل ما سيفعل في الأيام القادمة سوى تأكيد حقيقة أن الاحتلال هو أكبر عدو للسلام وأساس خلق الإرهاب والعنف وعدم الاستقرار في المنطقة، كما أنه بجرائمه المستمرة لن يترك بشراً ولا حجراً في أي شبر من أرض فلسطين إلا ويترك لهم ثأراً معه.

 

كما نرى أن ممارسات الاحتلال الإجرامية لم تختلف مع حركات المقاومة الفلسطينية “اللادينية”، كالحركات التي كانت تقود المقاومة الفلسطينية منذ منتصف الستينات ذات المرجعيات العلمانية والشيوعية، قبل ظهور الحركات ذات المرجعية “الدينية” في ثمانينات القرن الماضي، ما يثبت أن مشكلة الاحتلال هي مع فكرة وجود المقاومة بعينها وليس في مرجعيات حركات المقاومة الدينية كما يزعم.

 

ومن هنا يظهر للجميع بأنه ليس بين أبناء فلسطين من هو مصاص دماء أو متعطش لها، بل يثبت شعب فلسطين كل يوم أنه شعب لا يرضى المذلة والهوان ويتنفس الحرية والعزة والكرامة كما يتنفس الهواء، ومن البديهي أن يدافع عن حقه حتى آخر نفس، كما أنه كلما أمعن الاحتلال في إبادة جيل فلسطيني خرج له من رحمه جيلاً أشد بأساً وقوة، وما غزة وجنين ونابلس إلا أصغر مثال على ذلك، ومهما فعل هذا الاحتلال ومن معه لطمس الهوية الفلسطينية وإلغاء وجود الشعب الفلسطيني ستبقى فلسطين عنواناً محفوراً للصمود تتوارثه الأجيال جيلاً بعد جيل، وسيبقى شعب فلسطين أيقونة للبطولة والإباء، ولن تموت قضية فلسطين حتى تعود حرة عزيزة بواسطة عقدها القدس الشريف بكل مقدساتها الإسلامية والمسيحية، ورمز بطولتها وعزتها غزة هاشم، وجنين التحدي، ونابلس جبل النار، وكل مدنها وقراها الصامدة الحرة الأبية بإذن الله.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى