رب عمر …!
بقلم م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران
ما يزيد عن الشهر وأهل غزة في فلسطين على وجه الخصوص يعيشون تحت وابل من القصف المستمر الذي لا يتوقف، أكثر من 30 ألفاُ بين من فارق الحياة وبين من يرقد على سرير الشفاء معظمهم من النساء والأطفال، وكل ذلك لم يشبع رغبة الانتقام عند احتلال تعود على أن يتصرف منذ اللحظة الأولى لوجوده دون النظر لأي معايير أو قوانين دولية أو حتى إنسانية، فيرتكب المجزرة تلو الأخرى دون حتى التفكير بوجود عالم حوله، فهو يعتبر نفسه فوق الجميع وبدعم لا محدود من قوى كبرى في العالم لها مصلحة عظمى في وجوده في منطقتنا، تماماُ كما ذكر المرشح الرئاسي الأمريكي روبرت كينيدي جونيور ابن شقيق الرئيس الأمريكي السابق جون كينيدي بأن وجود دولة الاحتلال هو بمثابة سفير لنا لتحقيق مصالحنا في المنطقة وبقاء سيطرتنا عليها، ومنع التمدد الروسي والصيني فيها بل وأن زوالها يعد كارثياً على الأمن القومي الأمريكي.
وها هو هذا الاحتلال يواصل هوايته في الاجرام والانتقام ليس في غزة وحدها، بل وفي كل مدن الضفة الغربية والمدن الفلسطينية انتقاماً لتلك الضربة الصاعقة التي تلقاها في السابع من أكتوبر من المقاومة الفلسطينية، تلك المقاومة التي انتفضت لأجل رد جزء يسير من جرائم الاحتلال اليومية المستمرة في حق الشعب الفلسطيني منذ أكثر من 70 عاماً، والعمل على تحرير الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال ضمن عملها على دفع الاحتلال عن أرضها وشعبها، وهو الحق الذي كفلته لها كل الشرائع والقوانين، ليخرج الاحتلال لوصفها بالإرهاب كما تعود أن يصف كل من يقف في وجهه أو حتى يقول له كلمة لا، وهو ذات الاحتلال الذي وصل درجة من الرعب والهذيان حتى اعتقال سيدة فلسطينية من منزلها بتهمة الارهاب فقط لأجل حالة وضعتها على هاتفها في إحدى مواقع التواصل الاجتماعي!
واليوم يعود هذا الاحتلال لحالته الطبيعية في الجنون والتفكير اللامنطقي والغياب عن الوعي ليغيب عنه بأنه حتى ولو اختفت كل قيادات المقاومة اليوم عن الوجود سيخرج له غيرهم الالاف القيادات الأشد بأساً من بين الركام من الأجيال القادمة، ممن سيحملون أرواحهم على أكتافهم ويذيقون الاحتلال مرارة أكبر مما يفعله في أهلهم مهما طال الزمان، فشعب فلسطين شعب حي لا يموت، متجذر في أرضه مهما حاولت قوى العالم نزعهم من هذه الأرض، كما أن هذا الاحتلال الذي يثبت للعالم بأنه أصل وجود الإرهاب وزرع بذوره في كل مكان سيحصد ما يزرع ولن يجني ثمار ذلك سوى المزيد من الرعب والخوف والهزائم.
وللحقيقة تقف كلماتنا اليوم عاجزة أمام عظمة هذا الشعب الصامد الصابر في غزة، والتي جعلت شعوباً لم تسمع بغزة ولا بفلسطين في حياتها تبحث عن أي معلومات عنها لمعرفة سر هذا الإيمان والصمود والجبروت في وجه احتلال لم يترك سلاحاً ولا جريمة إلا واستخدمها في أمل خروج مقاتل واحد من المقاومة مستسلماً براية بيضاء، فلا يجد سوى مقاومة شرسة لا تعرف سوى طريق الدفاع عن أرضها وشعبها ومقدساتها ولو كلفها ذلك كل ما تملك.
ونستذكر ونحن نرى اليوم آلالاف الجثث المتراكمة من أهلنا الأحباب في فلسطين ممن لم يتمكن أهلهم من التعرف عليهم لشدة التشوهات بهم ذلك القائد الذي عاد من إحدى المعارك ليخبر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب باستشهاد فلان وفلان من الصحابة، ثم يقول له: وقد كان غيرهم عدد آخر لم نتمكن من التعرف عليهم من شدة تشوه أجسادهم، ليغلب أمير المؤمنين البكاء وهو يقول: ما ضر هؤلاء أن يعرفهم عمر ابن أم عمر مادام رب عمر يعرفهم، فلا تهنوا ولا تحزنوا يا أهل غزة ومعكم كل أهل فلسطين، فما ضركم أن لا نعرفكم بأسمائكم وصفاتكم اليوم، فربكم أعلم وأدرى بكم وبأفعالكم البطولية، لكم الله يا أبطال الأمة وعنوان كرامتها، نصركم الله وثبتكم ورفع عنكم الغمة والبلاء، وأزاح هذا الاحتلال عن صدوركم عاجلاً غير آجل، ورفع درجات شهدائكم في عليين وكتب الشفاء العاجل للمصابين منكم، وعوضكم أجمل العوض في الدنيا والآخرة عوضاً ترتسم به الابتسامة على وجه كل صغير وكبير بينكم، وإن كنتم كلكم كباراً وعنواناً راسخاً للعزة والإباء والكرامة والكبرياء.
…