من يدفع الثمن حقاً؟!
نادية ابراهيم القيسي
كم سعينا في دروب ما قصدنا فيها إلا خيراً كم أقلنا عثرات وشددنا أزراً في خضم المحن، كم كنا سنداً و عضداً قلباً وقالباً أمام تحديات الزمن، كم كنا للجميع مرساة ونجاة من كل العواصف الهوجاء العاتية على عتبات الهلاك.. كم كنا ملجأً ومأمناً يُرتع فيه بسكينة و حُلم بعيداً عن أي ذعر أو فزع.. كم كنا كما تمنينا أن يكون لنا يوماً و لكننا لم نجد أبداً في أي الصدور رحابة أو متكأً..! بل على العكس طالتنا طعنات الجحود والنكران الخيانة والغدر بكل دناءةٍ لتصيبنا في مقتل لكننا ننجو كيفما ننجو من وحي رحمة أسبغت علينا بنقائنا وسلامة نوايانا مهما حدث. لقد بقينا بتجردنا وما نحن عليه حقاً بكل مبادئنا قيمنا و ثوابتنا المتأصلة العريقة في غمار عالم كثر فيه دعاة الفضيلة المرتدين الأثواب المتلئلئة ببياض مصطنع يخطف ببريقه الأنظار لتتوارى من وراءها بشاعة وجوه الشياطين الحقيقية العارية بلا أي تزييف اللاهثة خلف الشهوات والمصالح الذاتية بجموح عبثي أرعن لتحقيق طموحاتها فوق كل الاعتبارات ومهما كان الثمن من بشر أو وطن.
الأردن وطن الكرامة والعزة لم يكن يوماً إلا منارة تضيء دروب الحق ليهتدي بها ولها كل ذي حاجة واحتياج برغم صغر مساحته نسبياً إلا أن الأردن كبيراً عظيماً في مواقف شهامته ونخوته ليسطر عبر التاريخ دروساً تُعلم في إغاثة المكلوم نصرة المظلوم وإعلاء كلمة الحق بلاد النشامى أنصار فتحوا القلوب قبل البيوت على مر الزمن وتقاسموا لقمة العيش مع كل ضيف بجود و كرم لينشأ تدريجياً ذلك النسيج الاجتماعي المتجانس ليكن شعباً واحداً مترابطاً من شتى الأصول والمنابت يحيا على تراب هذا الوطن.
لقد تحمل الأردن تبعات مواقفه الأصيلة النابعة من هويته وثوابته الوطنية العربية الإسلامية ليعاني من أعباء وضغوطات اجتماعية اقتصادية وسياسية في ظل متغيرات عالمية أرهقت كواهل دول كبرى بمقومات وموارد اقتصادية ضخمة تفوق ما يمتلكه الأردن بأضعاف مضاعفة وقد جاء خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في مؤتمر المانحين لدعم سوريا والمنطقة ببيان واضح شامل لكل ما يرزح تحت ثقله الأردن نتيجة عدم تخليه وفتح أبوابه لاستقبال اللاجئين في العقود الأخيرة و في ظل التراجع المستمر للدعم الدولي والمساندة الانسانية الاقتصادية والاجتماعية العالمية التي يجب أن تساهم في ايجاد الحلول الناجعة طويلة المدى التي تحرز تقدماً ملموساً وتنمية مستدامة في قضايا اللجوء الانساني و تخفيف الأعباء المختلفة عن الدول المضيفة باعتبار أن قضايا اللاجئين هي مسؤولية المجتمع الدولي بأسره الذي لا يملك رفاهية تجاهلها أو عدم الإيفاء بما أُقر من التزامات اتجاهها. فكما أوضح جلالته أن الأردن لم يدخر جهداً في توفير الملجأ الرعاية الصحية والخدمات التعليمية مع اتاحة فرص العمل للاجئين على أرضه بتكاليف باهضة جاءت على حساب تقدمنا الاقتصادي وشكلت تحديات خطيرة لمواردنا المختلفة وبالأخص فيما يتعلق بموضوع المياة والحصة المائية للفرد والتي تعتبر من الأقل على مستوى العالم. وبرغم ذلك مازال الأردن ملتزماً بتقديم كل ما يمكن تقديمه برغم التراجع المستمر لمختلف أنواع الدعم والتمويل الدولي و بالأخص فيما يتعلق بخطة الاستجابة لأزمة اللاجئين السوريين. وقد عبر جلالته في خطابه عن الانهاك و القلق الذي يعيشه الشعب الأردني من تبعات الأزمات ووصولنا لدرجات التحمل القصوى مع تأكيد جلالته على أن أولويته هي أمن و رفاهية الأردنيين و أن استمرار الدعم الأردني للمحتاجين لن يكون على حساب قوت الشعب ورخائه.
وهنا يطرح السؤال نفسه من يدفع الثمن حقاً؟! سؤال يحتاج إجابات وافية مقنعة في ظل عالم غاب عن مجمله العدل والإنصاف وساد فيه الصراعات والحروب. من الجاني و من الضحية؟ هل من تسبب بهذه المعضلات والأزمات أو من شاءت له الأقدار ليعيش معاناتها أو تبعاتها؟! من يدفع الثمن المغلوب على أمره أم الناصر له؟ هل أصبح الوقوف على المباديء والقيم خطيئة تهوي بنا في غياهب الجب بلا نجاة؟! أم أن الغيث قادم لا محالة بتعويض إلهي خالص يوماً ما ليغرقنا عدلاً و فرحاً تستكين به أنفسنا بعد كل هذا الشقاء والعناء؟! هل سنجد الإجابات الشافية حقاً أم ستبقى أسئلتنا حائرة معلقة تتناثر في مهب الرياح الصماء.
والله دوماً من وراء القصد