مصر تواجه تحديًا خطيرًا في ظل دفع الحرب الإسرائيلية أكثر من مليون فلسطيني نحو حدودها
تعزز مصر وجودها الأمني على حدودها مع قطاع غزة، خوفا من امتداد الحرب الإسرائيلية على حماس إلى أراضيها، إذا بدأ الجيش الإسرائيلي هجومه البري على مدينة رفح الواقعة في أقصى جنوب القطاع، حيث لجأ أكثر من نصف سكان غزة ويتواجدون حاليا على بعد خطوات فقط من الحدود.
وقال مسؤولون أمنيون مصريون لشبكة CNN إن التحصين على الحدود مع غزة هو إجراء “احترازي” قبل العملية البرية الإسرائيلية المتوقعة في رفح. وقال المسؤولون إنه في إطار تعزيزها الأمني، نشرت مصر المزيد من القوات والآليات في شمال سيناء على الحدود مع غزة.
ربما تعرض الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة علاقاتها المستمرة منذ نصف قرن تقريباً مع شريك عربي رئيسي للخطر. ونددت مصر بالفعل بالتحرك الإسرائيلي لدفع الفلسطينيين جنوبا في القطاع، مشيرة إلى أن ذلك جزء من خطة لطرد سكان غزة وأنه سيعني نهاية القضية الفلسطينية. والآن، تدق مصر ناقوس الخطر مرة أخرى في الوقت الذي تدفع فيه إسرائيل أكثر من مليون فلسطيني نحو أراضيها وتستعد لعملية عسكرية في رفح.
مسؤول أممي: قيام إسرائيل بعملية عسكرية في رفح قد يؤدي إلى “مذبحة”
وقال شاهد عيان لشبكة CNN إنه تم تعزيز نقاط التفتيش المؤدية إلى معبر رفح الحدودي على الجانب المصري بمزيد من الجنود، وتم تجهيز المناطق المحيطة بالطريق الرئيسي لنشر الدبابات والآليات العسكرية.
وشوهدت أيضًا مروحيات عسكرية مصرية تحلق على الجانب المصري هذا الأسبوع، وفقًا لشاهد عيان في مصر ومقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تم تصويرها من جانب غزة من الحدود.
نادرًا ما ينتقد المسؤولون في كلا البلدين بعضهم البعض علنًا، لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية انتقد يوم الاثنين تعليقات وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريش، الذي قال إن القاهرة تتحمل مسؤولية كبيرة في هجمات حماس في 7 أكتوبر على إسرائيل، والتي أسفرت عن مقتل 1200 شخص واختطاف أكثر من 250 شخصا. وأدت الحملة العسكرية الإسرائيلية اللاحقة في غزة إلى مقتل أكثر من 28 ألف شخص هناك، وفقا لوزارة الصحة التي تديرها حماس.
وقال المتحدث المصري على “إكس”، تويتر سابقا، إنه “من المؤسف والمخزي أن يستمر سموتريتش في الإدلاء بتصريحات غير مسؤولة وتحريضية، لا تكشف إلا عن تعطش للقتل والدمار”.
وكانت مصر أول دولة عربية تعترف بإسرائيل في عام 1979. ووقع البلدان اتفاقا تاريخيا أعادت فيه إسرائيل شبه جزيرة سيناء التي استولت عليها من مصر في حرب عام 1967 مقابل السلام. كما حدت المعاهدة عدد القوات المتمركزة على الحدود بين مصر وغزة، والتي كانت في ذلك الوقت تحت سيطرة إسرائيل. وحولت المعاهدة مصر إلى دولة غير مرغوب بها في العالم العربي، لكن بعد عقود ساعدت في تمهيد الطريق أمام الدول العربية الأخرى لتوقيع اتفاقيات مماثلة مع إسرائيل.
اجتماع في مصر بين مسؤولي CIA والموساد وقطر بشأن غزة.. ما موقف حماس؟
وذكرت وسائل الإعلام الغربية، بما في ذلك وكالة أسوشيتد برس ونيويورك تايمز، أن مصر هددت بإبطال معاهدة السلام إذا غزت القوات الإسرائيلية رفح. ونفى وزير الخارجية المصري هذه التقارير، لكنه قال في مؤتمر صحفي الاثنين إن القاهرة ستلتزم بالمعاهدة “طالما ظلت متبادلة”، حسبما ذكرت صحيفة الأهرام الحكومية.
واعترف مسؤول إسرائيلي بأن المصريين كانوا قلقين بشأن العملية الإسرائيلية، لكنه قال إنهم ليسوا على علم بوجود تهديد محدد فيما يتعلق بالمعاهدة. وقال المسؤول الإسرائيلي لـCNN: “هناك تعاون بين قوات الأمن الإسرائيلية والمصرية. لقد كان دائما موجودا وسيظل كذلك”.
وقال عماد جاد، المستشار في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ومقره القاهرة والعضو السابق في البرلمان المصري، إن تعليق مصر للمعاهدة “غير واقعي على الإطلاق”.
وقال لشبكة CNN إن هذه الخطوة سيكون لها عواقب مع الولايات المتحدة، بما في ذلك المساعدات المالية والعسكرية الكبيرة التي تتلقاها مصر من واشنطن.
وقال أوفير وينتر، الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي (INSS) في تل أبيب والمحاضر في قسم الدراسات العربية والإسلامية بجامعة تل أبيب: “إن الأزمة الحالية تمثل مخاطر محتملة لم نشهدها في الحوادث السابقة”.
وقال وينتر لشبكة CNN إنه في حين أن مصر وإسرائيل واجهتا فترات صعبة منذ توقيع المعاهدة، فإن هذه هي أسوأ فترة في العلاقات الإسرائيلية المصرية منذ وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي قبل عقد من الزمن إلى السلطة.
وتتعرض إسرائيل لضغوط من المجتمع الدولي للامتناع عن شن عملية برية في رفح التي تتعرض لقصف جوي إسرائيلي منذ أسابيع. وتعتبر المدينة الملجأ الرئيسي الأخير للفلسطينيين الفارين من شمال ووسط غزة.
إفتاء مصر تصدر بيانا تعليقا على الغارات الإسرائيلية في رفح
وبعد دعوات إسرائيلية عديدة لإخلاء مناطق أخرى من القطاع، أصبح الآن أكثر من 1.3 مليون شخص محشورين في مدينة خيام مترامية الأطراف في رفح.
وتعيش الأسر التي تعاني من نقص الغذاء والماء والدواء في خيام على بعد أمتار قليلة من سياج الأسلاك الشائكة الذي يفصلها عن مصر.
العديد من الوزراء الإسرائيليين، بمن في ذلك وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير ووزير المالية سموتريتش، دعيا علناً إلى إعادة توطين اليهود في غزة بعد الحرب. وفي حين رفض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فكرة إعادة بناء المستوطنات في غزة، فقد قال إن إسرائيل ستحتفظ “بالسيطرة الأمنية الكاملة”.
حذرت وزارة الخارجية المصرية الأحد من “العواقب الوخيمة” للعملية العسكرية الإسرائيلية في رفح، داعية إسرائيل إلى الامتناع عن “اتخاذ إجراءات من شأنها أن تزيد الوضع تعقيدا وتضر بمصالح جميع الأطراف المعنية دون استثناء”.
بالنسبة لمصر، فإن احتمال تدفق ملايين الفلسطينيين إلى البلاد يعيد ذكريات أزمة الحدود عام 2008، عندما اقتحم مئات من سكان غزة مصر بعد تفجير الجدار الحدودي وهدمه. وبدأ الوقود والغذاء والإمدادات الأخرى ينفد لدى الفلسطينيين بعد أن أغلقت إسرائيل المعابر الحدودية في غزة.
وقالت مصر إنه منذ بدء الحرب تعرض معبر رفح للقصف أربع مرات على الأقل من الجانب الفلسطيني. وفي أكتوبر/تشرين الأول، أغلقت مصر بوابات المعبر بألواح خرسانية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية يوم الأربعاء إن “استهداف هذه المنطقة من القطاع المليئة بالعديد من المدنيين يشكل خطرا”.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، في مقابلة مع قناة الغد التلفزيونية: “الأمر مختلف تمامًا عما لو كان هؤلاء المواطنون يعيشون في منطقة أكبر أو أكثر اتساعًا”. وقال أبو زيد: “إننا نتحدث عن منطقة في جنوب غزة كان يسكنها 300 ألف فلسطيني، مضيفًا أن أكثر من مليون شخص يعيشون هناك الآن.”
عبور المنطقة العازلة منزوعة السلاح
وكان المسؤول المصري حريصًا على توضيح مخاطر الهجوم البري الإسرائيلي الذي يعبر محور فيلادلفيا – ممر يبلغ طوله 14 كيلومترًا (حوالي 8.7 ميلًا) وعرضه 100 متر على الحدود بين غزة ومصر.
والخط الضيق عبارة عن منطقة عازلة على الحدود بين مصر وغزة، تم الاتفاق عليها كجزء من معاهدة السلام عام 1979. وهي جزء من مجموعة أكبر من المناطق التي اتفقت إسرائيل ومصر على تجريدها من السلاح. ولا تستطيع أي من الدولتين زيادة وجودها العسكري هناك دون موافقة مسبقة من الدولة الأخرى.
وبعد انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005، اتفقت مع مصر على آلية لتأمين المنطقة من خلال قوات حرس الحدود المصرية فقط على الجانب المصري من الحدود. ويقول الخبراء إن عمليات الانتشار المصرية الأخيرة هناك يمكن أن تشكل انتهاكًا لهذا الاتفاق – ما لم يتم ذلك بموافقة إسرائيل الضمنية.
ومن خلال تعزيز وجودها الأمني على الحدود مع غزة، تقول مصر إنها تتصرف بموجب شروط اتفاق 2016 مع إسرائيل لزيادة القوات فيما يسمى بالمنطقة ج في سيناء، المتاخمة للحدود الإسرائيلية، حسبما قال مسؤول مصري آخر لشبكة CNN. وجاء اتفاق عام 2016 في وقت كانت فيه مصر تقاتل تمردًا متطرفًا.
وقال جاد إن التعزيز الأمني على الجانب المصري لا يتماشى من الناحية الفنية مع الاتفاقيات الأمنية بين البلدين، لكنه من المرجح أن يتم بمباركة إسرائيل.
وقال جاد: “يبدو أن هذه خطوة وافقت عليها إسرائيل كوسيلة لتهدئة المخاوف المصرية”. وأضاف: “مصر لن تنشر (المزيد من القوات) دون موافقة إسرائيل”.
وقال جاد إن الحملة البرية الإسرائيلية في رفح بحد ذاتها لن تشكل خرقاً للمعاهدة، لكن العملية في محور فيلادلفيا ستشكل ذلك.
قيادي حوثي يوجه “رسالة” إلى مصر بشأن رفح: “جاهزون للتنسيق”
وقال المسؤول المصري لشبكة CNN إن نشر القوات الإسرائيلية في محور فيلادلفيا دون اتفاق مسبق بين البلدين سيكون بمثابة انتهاك لمعاهدة السلام، مضيفاً أن الحكومة لم توافق على مثل هذا الانتشار.
ومن غير الواضح ما إذا كانت إسرائيل ومصر تتحدثان عن العملية المحتملة في رفح. وبينما تحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية في السابق عن مستوى معين من التنسيق، قالت قناة القاهرة الإخبارية المرتبطة بالحكومة المصرية الشهر الماضي إن مصر نفت تقارير تزعم وجود أي تنسيق أمني بين إسرائيل ومصر بشأن محور فيلادلفيا.
وقال جاد من مركز الأهرام إن هناك “محادثات أمنية بلا شك” بين إسرائيل ومصر، مضيفا أنه كلما حدثت توترات سياسية، تتدخل الأجهزة الأمنية لتهدئة الأمور.
وقال إن مثل هذه المحادثات غالباً ما ينكرها المسؤولون لتهدئة الرأي العام.
وأكد أنه في حين أن العلاقات بين إسرائيل ومصر لم تكن على هذا القدر من السخونة منذ سنوات، إلا أنها تظل بشكل أساسي على “مستوى التصريحات الرسمية”. وأضاف: “على المستوى العملي، على المستوى الأمني والعسكري، العلاقات مستقرة”.