نيكي هيلي الانتهازية في أبشع صورها

مهدي مبارك عبد الله

بداية الانتهازية هي السياسة والممارسة الواعية للاستفادة الأنانية من الظروف مع الاهتمام الضئيل بالمبادئ أو العواقب التي ستعود على الآخرين وأفعال الشخص الانتهازي هي أفعال نفعية تحركها بشكل أساسي دوافع المصلحة الشخصية وكثيرا ما تقترن بدلالة أخلاقية احتقاريه سلبية

بتاريخ 12 / ه / 2024 زارت السفيرة السابقة للأمم المتحدة ( نيكي هيلي ) الأراضي الفلسطينية المحتلة برفقة داني دانون عضو الكنيست عن حزب الليكود والسفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة وفي موقع تابع للجيش الإسرائيلي وقعت باسمها الشخصي على قذائف المدفعية الإسرائيلية من عيار 155 ملم وكتبت عليها عبارة اقضوا عليهم أمريكا تحب إسرائيل دائماً مع ( رسم للقلب ) للتعبير الظاهري عن حبها ودعمها وتضامنها القوي مع تل ابيب في ظل استمرار العدوان على غزة والذي خلف عشرات الآلاف من القتلى والجرح وبتزامن زيارتها مع العملية العسكرية الدموية التى شننها إسرائيل فى مدينة رفح واستشهد فيها ما لا يقل عن 45 من النازحين الفلسطينيين بعد أن اشتعلت النيران بخيامهم جراء القصف الإسرائيلي العنيف

لقد سحرت هيلي بوق رخيص ومأجور للتضليل ولنفاق والكذب حيث قالت خلال حديث لها مع الصحفيين ان إسرائيل لا تزال حريصة على حياة كل إنسان وتبذل كل ما في وسعها لحماية حياة البشر وقد رفضت الاعتذار عما بدر منها من قول او فعل واظهرت امتعاضها الشديد من إدارة الرئيس الامريكي جو بايدن لحجبها الأسلحة موقتا عن اسرائيل كما وجهت انتقادات لاذعة إلى المحكمة الجنائية الدولية التي كانت تسعى حينها إلى إصدار مذكرات اعتقال لبنيامين نتنياهو وغالانت كما استهزئت بمحكمة العدل الدولية التي تنظر في اتهامات الإبادة الجماعية ضد إسرائيل وقالت ان ما تحتاج أمريكا إلى فهمه هو أنه إذا كانت إسرائيل تقاتل أعداءنا فكيف يمكننا ألا نساعدهم وعلى أمريكا أن تفعل كل ما تحتاجه إسرائيل وأن تتوقف عن إخبارهم بكيفية خوض هذه الحرب كما أكدت على أهمية انتصار إسرائيل في المعركة لان الانتصار الإسرائيلي يعني انتصارًا للولايات المتحدة الامريكية

ما فعلته حاكمة ولاية ساوث كارولينا السابقة التي خسرت المنافسة على ترشيح الحزب الجمهوري لرئاسة أمريكا لصالح دونالد ترامب ليس غريب وهي لعبة نفاق ورياء روتينية مكشوفة ودليل مثير للاشمئزاز والانحلال الأخلاقي يمكن ان يقوم به اي شخص يسعى للوصول الى البيت الابيض والرئاسة الامريكية او الى اي منصب حساس في امريكا خاصة وان هيلي تسعى لان تكون مرشحة محتملة للرئاسة عام 2028

اللافت انه رغم كل الاجرام والارهاب والتوحش الصهيوني الذي تجاوز كل الخطوط الحمراء الانسانية والاخلاقية وجميع القيم المتعارف عليها بين البشر الا ان معظم السياسيين الأمريكيين لا زالوا يمارسون طقوس الخنوع والاذلال والمحاباة والتبعية العمياء لإسرائيل ويدعمون اجرامها المستمر بحق الشعب الفلسطيني نذكر هنا على سبيب المثال لا الحصر الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب والمرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية المرتقبة في نهاية العام الجاري عندما زايد على هيلي بتوعده امام مانحين يهود في نيويورك بسحق الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الولايات المتحدة وترحيل المتظاهرين ومواصلة دعم إسرائيل في حرب الإبادة على قطاع غزة في حال فوزه رئيسا

اما الرئيس الامريكي الحالي جو بايدن فقد صرح قبل ايام قليلة انه لا يعتزم تغيير سياسته تجاه إسرائيل حتى بعد المجزرة التي خلفت أكثر من 45 شهيد فلسطيني اغلبهم من الاطفال والنساء في مخيم للنازحين بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة ناهيك عن مشاركته المباشرة والرئيسية بحرب الابادة المتواصلة ضد غزة منذ 8 اشهر بالدعم اللامحدود لكيان الاحتلال سياسياً وعسكرياً وإعلامياً وبما يثبت للجميع بان إسرائيل وامريكا وجهان لعملة واحدة في الارهاب والإجرام المنظم

العبارات الخرقاء التي خطتها هيلي بيدها القذرة على القنابل الاسرائيلية لا تخرج عن فحوى ومضمون السياق التحليلي العام الذي يلخص بكل وضوح وتفصيل واقع السياسية الامريكية المرتهنة التي تقف ضد حقوق وتطلعات ابناء الشعب الفلسطيني وتنحاز بالمطلق الى إسرائيل كما وبتبت بشكل فاضح كذب وزيف وخداع كل الشعارات الجوفاء بالحديث عن السلام و دور امريكا في احلال السلام والامن في العالم ودفاعها عن حقوق الانسان وسيادة الدول والحريات والديمقراطية وخير دليل على ذلك ما فعلته في افغانستان والعراق واليمن وليبيا وسوريا والصومال وقبلها في فيتنام واليابان وامريكا اللاتينية

من المؤكد انه حينما نموت الضمائر وتنعدم الاخلاق وتنفلت الانتهازيّة والنفعية المتوحشة من عقالها يصبح من الطبيعي ان لا تتحرك مشاعر وانسانية هيلي ان وجدت اصلا لاستشهاد أكثر من 36 ألف فلسطيني بينهم أكثر من 16 ألف طفل واصابة نحو 100 ألف اخرين معظمهم أطفال ونساء وحوالي 10 آلاف مفقود ودمار هائل ومجاعة مخيفة في قطاع محاصر منذ 17 عام كما لا يعود مستغربا ابدا ان تدعو هيلي وتشجع ونحرض على قتل المزيد من الفلسطينيين على مراى ومسمع العالم أجمع

المرشحة الرئاسية السابقة ما زالت من أشد المؤيدين للحرب التي شنتها إسرائيل على غزة وعباراتها تلك تعكس مشاعرًا حقد مماثلة كانت قد أبدتها لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد أيام من هجوم 7 أكتوبر من خلال زعمها بأن هذا لم يكن مجرد هجوم على إسرائيل بل على أمريكا نفسها وناشدته على موقع X وقتها قائلة ( اقض عليهم يا نتنياهو يجب أن يروا الجحيم بأعينهم ليدفعوا ثمن ما فعلوه ) وفي مؤتمر سابق للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية ” أيباك ” عقد عام 2017 قالت بعنجهية وغرور أنها لا ترتدي الكعب العالي من باب الأناقة بل لكي تستخدمه ضد كل من ينتقد إسرائيل

كما صرحت وهي على راس عملها بأن خطة السلام الأميركية ( صفقة القرن ) بنيت على أساس عدم إلحاق الضرر بإسرائيل وجوهرها هو الحفاظ على الأمن القومي لإسرائيلي وفي تجمع انتخابي في ولاية نيو هامبشاير قالت أنه وخلال فترة توليها منصبها في الأمم المتحدة لم تكن إسرائيل أبدا من يعارض حل الدولتين بل كان الفلسطينيون وإيران هم من يعارضون ذلك حيث لم يريدوا ذلك أبدا لأنهم يرغبون بالقضاء على إسرائيل لذلك فإن مسالة حل الدولتين مناقشة غير حقيقية وغير مجدية وأن الإسرائيليون لا يريدون غزة لكنهم أيضا لا يريدون إرهابيين على الجانب الآخر من حدودهم كما اعلنت انها ستدعم أي شيء تقوله إسرائيل للحفاظ على أمنها بينما الفلسطينيون فهم قصة أخرى مختلفة جدا

لقد أظهرت الصديقة الحميمة لإسرائيل كما تدعي دائما حقيقتها البشعة وكشفت عوارها المخزي وقدمت للعالم فرصة ثمينة ليشاهد سوء أخلاقها ووضاعتها وانحراف سلوكها وقلة تربيتها وسوقيتها واختلال عقلها فبينما المظاهرات والاحتجاجات تعم الجامعات والولايات ويتابع كثير من الأمريكيون بألم وغضب إسرائيل وهي تحرق أهل غزة وهم أحياء وتقطع رؤوس الأطفال الفلسطينيين الرضع تذهب نيكي هيلي الى اسرائيل لتكتب رسائل حب كريهة وعبارات سخيفة على القنابل الدموية التي تسقط على المدنيين العزل

السياسية والدبلوماسية الأميركية السابقة هيلي عضو بارز في الحزب الجمهوري وتُعتبر من أشد الصقور فيه ولدت عام 1972 لأبوين مهاجرين هنديين من السيخ اشتغلت محاسبة قبل ان تصبح سيدة أعمال كانت إحدى أكبر المدافعات عن إسرائيل في إدارة ترامب الذي اقتدت به في استخدام اللغة الخشنة عديمة اللباقة في ميدان العمل والحياة وكانت عينه التجسسية في الأمم المتحدة نشأت على معتقدات السيخ وفي العشرينيات من عمرها تحولت إلى المسيحية وأخدت ترتاد الكنيسة الميثودية وهي متزوجة من نقيب بالحرس الوطني في الجيش الامريكي ولديهما طفلان

بخبرتها الواسعة ودهائها الفطري أدركت هيلي مبكرا أن التألق سياسياً في امريكا والارتقاء إلى المراتب العليا يستلزمان تقديم فروض الولاء والطاعة للوبي اليهودي ومنظمة الإيباك ثم الى زعماء إسرائيل بحيث تصبح تكره ما يكرهون وتحب ما يحبون و تفكر كما يفكرون من دون السؤال كيف ولماذا

في الواقع لا بد ان يعلم كل ذي عقل سليم وبصيرة راشدة ان الحب الذي تتظاهر به نيكي هيلي إزاء إسرائيل هو تجارة سياسية انتهازية بحتة وان الرفض وإنكار الحق والغلظة التي تبديها بكل قسوة فضلا عن تصريحاتها الكاذبة والاستفزازية اتجاه كل ما هو فلسطيني وعربي ليست سوى اساليب وصولية ومداهنات ممجوجة لتحقيق ماربها وتطلعاتها في منصب الرئاسة والسؤال الذي يمكننا ان نوجه للسفيرة هيلي هل حبكم لإسرائيل يجعلكم تخالفون القوانين والأعراف الدولية وحقوق الإنسان وتساعدونها في إبادة الفلسطينيين

بقي ان تعلمكم ايها الاحبة ان صحيفة “ دايلي مايل” البريطانية فجرت قبل سنوات قليلة ( قنبلة ) من العيار الثقيل بعدما كشفت عن وثائق تشير إلى أن المرشحة لرئاسية الجمهورية نيكي هيلي، خانت زوجها في علاقتين خارج نطاق الزواج قبل أن تصبح حاكمة ولاية كارولاينا عام 2010

في الختام نقول لربيبة اسرائيل المدللة نيكي هيلي اذا كانت الغاية عند مكيافيل تبرّر الوسيلة فالوسيلة الانتهازية والمقززة عندك سوف تدمر طموحاتك وغايتك في الوصول الى كرسي الرئاسة الامريكية

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى