سارة طالب السهيل الأمن المائي.. وتحدي الفاقد والهدر
أنعم الخالق العظيم على المملكة
الأردنية الهاشمية بكثير من النعم
من جبال ووديان وطبيعة ساحرة
لكنها تعاني فقرا شديدا في المياه،
فهي ثاني أكثر بلدان العالم فقراً في
مصادر المياه. فموارد المياه المتجددة
تبلغ أقل من 100 متر مكعب للفرد، وهي أقل من حصة الفرد عالمياً والتي
تبلغ 500 متر مكعب.
تفاقمت التحديات المائية في المملكة بسبب زيادة النمو السكاني
واستقبال الأردن للنازحين
والمهجرين، مما زاد الطلب على
المياه، في الوقت الذي تعاظمت
الصناعية والزراعية المعتمدة أيضاً
على المياه إضافة إلى مشكلتي
«الهدر» والتسرب»، كل هذه
العوامل ساعدت في انخفاض نسبة
المياه في البلاد، كما أن التغيير
المناخي و ارتفاع درجات الحرارة وقلة
المطر في بعض المواسم له دور في
هذا.
كما تواجه المملكة، مشكلة انخفاض مستويات المياه الجوفية بشكل مستمر، حيث قدره الخبراء بانخفاض سنوي يزيد عن عشرة أمتار في بعض
طبقات المياه الجوفية. بينما يحصل الأردن على حاجته من المياه من مخزون مياه الأمطار، التي يتقلب معدل هطولها بتأثير عوامل
التغير المناخي. ويعتبر نهر الأردن وحوض اليرموك من أهم مصادر المياه في المملكة، غير أن نهر الأردن يفقد 85 بالمئة من مدخوله بسبب التبخر الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة، وفقا لدراسات متخصصة أعدها كل من عصام شناق
وياسر العدوان.
وقدرت الدراسات تراجع الهطول. المطري بنسبة 20% بالأردن، مما أثر
سلباً على السدود وعلى كمية المياه الجوفية التي تعتمد بالكامل على مياه
الأمطار. وعانى الأردن من الفقر المائي منذ عام 2021 بجفاف ست سدود من أصل 17 سداً، ووصلت كميات المياه في احداها إلى ما يقل عن 5% من
سعتها التخزينية. وبالرغم من استجابة المواطنين لجهود ترشيد استهلاك المياه منذ فترة طويلة، إلا أن مشكلة تسرب المياه، التي تصل الى الشبكات بصفة غير قانونية، وخسائر العدادات المقدرة بنسبة 52، تشكل عائقاً
كبيرا في زيادة النقص المائي. وسوء استخدام مصادر المياه المختلفة، والاعتداءات المتكررة على خطوطها تشكل خطورة تستنزف كميات كبيرة من المياه، بجانب استنزاف المياه الجوفية مما دفع الحكومة الى وضع انظمة تتولى مراقبة مصادر المياه الجوفية
المنتشرة في البلاد.
الفاقد المائي
يشكل «الفاقد» تحديا يفاقم شح المياه في المملكة، وإذا نجحت الجهود الوطنية في إيقاف هذا الهدر سيقلل كثيرا من أزمة المياه، خاصة في ظل ارتفاع نسب هذا الفاقد، والذي قدرت نسبته في شبكات مياه الري في وادي الأردن، عام 2021 بنحو 27% من إجمالي المياه المخصصة للري، وهو ما يعادل (108) مليون متر مكعب).
بينما يقدر الفاقد المائي في قناة الملك عبد الله، بنحو 19% في الجزء الشمالي منها و %38% في الجزء
الجنوبي. ويصل التسرب في قناة الملك عبد الله إلى 40% من مجمل الفاقد المائي، وهو ما يعادل 20 مليون متر مكعب في عام 2021. وللأسف، فان تقليل هذا الفاقد يحتاج إلى نفقات مالية باهظة لتقليله، لكنه تحدي كبير لابد من تجاوزه بشتى الطرق لحفظ الماء من هذا الهدر الكبير.
من ناحية اخرى، فان مكافحة الاعتداءات على شبكات المياه
والاختلالات الفنية التي أدت إلى ٣:٥٤ لكسور في شبكاتها بجانب الاختلالات الادارية في قراءة عدادات المياه، تمثل قضية امن وطني تتطلب تضافر الجهود لإيقافها ومعالجتها
بكل السبل العلمية والعملية. جهود وطنية وفي ظل ارتفاع نسبة الفاقد من المياه إلى 40% ، ونصف هذا الفاقد يهدر بسبب الشبكات، وبالرغم من إنفاق وزارة المياه نحو 400 مليون دولار لتغيير هذه الشبكات، إلا أن عمليات سرقة المياه ما تزال
مستمرة. هذه الاشكاليات تتطلب سرعة توفير صمامات التحكم في تدفق المياه في المنازل، وتركيب مراحيض وحمامات منخفضة التدفق المائي، ووحدات «دوش» الحمامات الموفرة لاستهلاك المياه، وري الحدائق المنزلية بمياه الأمطار المجمعة بدل مياه «الحنفية»، ومنع تسرب المياه في الأماكن الخاصة والعامة. ولا شك أن الجهود التي تبذلها وزارة المياه والري لتخفيض الفاقد المائي وصولا إلى نسبة 37% بحلول عام 2030، بمعدل %2% سنويا للوصول إلى %25 في عام 2040 من خلال تقليل الفاقد الفيزيائي بالتسرب، ومعالجة الفاقد الإداري الناتج عن الاستخدامات غير المشروعة بإصدار %100 من فواتير المياه البلدية على قراءات عدادات موثوقة بحلول عام
.2026
كما تعمل وزارة المياه على تركيب عداد القياسات الدقيق على خطوط المياه الناقلة بنسبة 100% بحلول
2026 العام
وهذا الاستنزاف المائي يتطلب ـ برأيي سن تشريعات قانونية واجراءات أمنية عاجلة لوقف سرقة المياه وخسارتها، وتشديد هذه القوانين بالقوة لوقف النزيف المائي
والاستخدام غير المشروع. كما لابد من استخدام كل الوسائل الممكنة لعلاج شح المياه، والتي من بينها إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في الزراعة والصناعة للحفاظ على المياه الجوفية للأجيال القادمة، واللجوء إلى الطرق الحديثة في الري والإنتاج الزراعي مثل الاستمطار، والتوسع في عمليات تجميع المياه في مواسم الهطول في سدود وأحواض وبرك مائية لتخزين المياه، على أن يعاد تحلية مياهها.
أتفق تماماً مع أراء خبراء المياه على أن أزمة المياه متفاقمة وتحتاج مع ضوابط لوقف سرقة المياه، وإيقاف هدرها في الشبكات إلى آلية تحلية
المياه في العقبة باستخدام
التكنولوجية الحديثة.
وأعتقد جازمة أن الإسراع في تحلية
مياه العقبة هو طوق النجاة الاستراتيجي أمام الأزمات المتلاحقة
لشح المياه في البلاد، والتي ستشهد تراجعا ملحوظا متوقعا بحسب التقرير
الدولي الصادر عن New Security
Wilson« التابع لمعهد »Beat
Centre» في واشنطن، بعنوان
تجنب الأزمات في مستقبل المياه بالأردن)، فان المملكة ستواجه بحلول عام 2100، انخفاضًا في مستويات المياه الجوفية بنحو 60% في المحافظات الشمالية المكتظة بالسكان، بجانب توقع انخفاض متوسط تدفق المياه السطحية بنسبة 25% بحلول نهاية القرن مقارنة بالفترة 2016 – 2020 مع تراج؟
في الأمن المائي المنزلي. ومعالجة التحدي المائي بحسب التقرير الدولي نفسه، يحتاج إلى نفقات مالية كبيرة، الأمر الذي يتطلب دعم دولي متواصل للأردن لإنفاذ هذه المشروعات المهمة.