تنمية الطفيلة … عصفورين بحجر واحد
كتب ماجد القرعان
من المسلم به ان محافظة الطفيلة كانت تعد من المناطق التي اشتهرت بغاباتها الطبيعية الكثيفة والأشجار المعمرة كالزيتون بوجه خاص والأشجار الحرجية كالبطم واللزاب والعرعر والبلوط والسرو الطبيعي والصنوبر والأرز ضمن مساحة قدرت بنحو مائة الف دونم فيما تبلغ مساحة الأراضي التي تمت زراعتها خلال سنوات لاحقة من قبل دائرة الحراج والذي يعرف بالحراج الصناعي حوالي 40 الف دونم
تم سابق تصنيف محافظة الطفيلة بأنها من أفضل المناطق على مستوى المملكة في الزراعة وتربية الماشية نظرا لخصوبة اراضيها واتساع مراعيها وغزارة الأمطار التي كانت تهطل عليها لكن وجراء التغير المناخي وانخفاض المعدلات السنوية للأمطار خلال العقدين الماضيين جفت غالبية عيون وينابيع المياه التي وصل عددها سابقا الى اكثر من عدد ايام السنة ليقل عددها الان عن خمسين نبعا وتراجعت زراعة الحبوب وتربية المواشي بصورة كبيرة والتي كانت تعد المصدر الرئيس لمعيشة غالبية سكانها فيما لم يرافق ذلك خطط لاستنباط مصادر عمل ودخل بديلة وفقا لخصائص المحافظة ليتم على الأقل استغلال باقي ثرواتها الطبيعية العديدة والمتنوعة من نحاس ومغنيسيوم ويورانيوم ومياه معدنية علاجية وغيرها العشرات من الثروات الطبيعية الى جانب ما تكتنزه من مواقع سياحية كمحمية ضانا وقلعة السلع وقرية المعطن وحمامات عفرا والبربيطة .
وللتوضيح هنا فان الأمر لم يتوقف فقط عند عدم استثمار الكم الكبير من معدن النحاس وخام الذهب في منطقة ابو خشيبة المحاذية لأرض المحمية والجرانيت الذي ينتشر في الأرجاء ويضاهي الجرانيت الإيطالي وكذلك الحجر الجيري والصخر الزيتي وغيرها من الثروات المعدنية بل تجاهل الحكومات السابقة وعلى الأقل تحديد متطلبات تنميتها وفقا لميزة خصائصها ووضع خطط تنفيذية حتى وان كانت متوسطة أو طويلة الأجل .
بحسب نتائج الدراسات والإحصاءات والمسوحات الإجتماعية والبيئية الرسمية وغير الرسمية باتت محافظة الطفيلة تُعد من اشد مناطق المملكة بجيوب الفقر وتنامي البطالة وطردا للسكان وهي الآن الأقل نسبة في عدد السكان بين المحافظات والتي بلغت 1 % وبمجموع سكان 116 الف نسمة حسب التقديرات السكانية لدائرة الإحصاءات العامة لعام 2023 .
ليس من باب التجني على الحكومات السابقة القول ان محافظة الطفيلة وبما تزخر به من ثروات هي كالعِيسِ في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمولُ حيث لم تحظى بالأهتمام الرسمي ما زاد من معاناة سكناها وزاد من هجرتها بصورة كبيرة .
انتهز فرصة قدوم حكومة جديدة لتقديم مقترح لتنفيذ مشروع وطني في محافظة الطفيلة في عهد حكومة بدأت عملها بنهج ( التواصل الميداني مع المواطنين ) الذي افتقدناه لسنوات طويلة رغم تأكيد جلالة الملك على اهميته في كتب التكليف للحكومات السابقة والذي لمسناه من رئيسها الدكتور جعفر حسان في رده على كتاب التكليف الملكي حيث أكد أن الحكومة ستركز في أداءها على برامج تنفيذ محددة وخطط معلنة بكل شفافية ووضوح لمعالجة الإختلالات وتحسين الأداء لتكون المعيار الذي يُقاس وفقه الأداء وبأنها ستعمل ضمن نهجٍ تواصل ميداني مستمر ومكثَّف لكلِّ أعضاء الحكومة لتلمُّس أولويَّات المواطنين واحتياجاتهم والاستماع إلى تطلُّعاتهم وقضاياهم واستطلاع الفرص واستثمارها وستكون الشَّفافيَّة سمةٌ عملها وزاد على ذلك بتنفيذه شخصيا زيارات ميدانية غير معلنة لعدد من المناطق خلال أول 21 يوما من اعلان الحكومة واتخاذه القرارت ميدانيا متطلعين ان نشهد زيارات ميدانية لباقي الفريق الوزاري والأمناء والمدراء العامون .
والمقترح الذي نصيد به عصفورين بحجر واحد ومن شأن العمل به اعادة الألق الى المناخ العام الذي كانت تتميز به المحافظة يهدف الى استغلال المياه المعالجة التي تخرج من محطة التنقية التي اقيمت في عام 1989 وتمت توسعتها وتحديثها وتطويرها قبل عام بمنحة أمريكية ( 32،2 ) مليون دولار حيث تم زيادة قدرتها من المياه المعالجة الى 5000 م3 /يوميا تذهب هدرا عبر أودية الطفيلة .
وبتقديري ان تنفيذ هذا المقترح لن يرهق الحكومة وخزينتها حيث يسهل توفير التمويل من المنظمات الدولية كونه مشروعا بيئيا صرفا ويتمثل المشروع باستغلال المياه المعالجة لإعادة زراعة المساحات التي تعرت بفعل التغيرات المناخية وجوانب الطرق وخاصة الطرق بين الحسا الطفيلة وبين جرف الدراويش والطفيلة والطريق الملوكي من جسر الشهداء وحتى شجرة الطيار جنوبا الى جانب التوسع في زراعة الغابات الموجودة والأراضي المسجلة حراج وكذلك تشجيع تأسيس جمعيات تعاونية متخصصة بزراعة الإعلاف وكذلك بزراعة الأشجار الخشبية باستخدام المياه المعالجة مع منحها اراضي من أملاك الدولة لهذه الغاية وفق شروط وامتيازات وحوافز لمن يرغب من الشباب الباحثين عن فرص العمل .
آمل ان يحظى هذا المقترح والذي سيخلق أكثر من الف فرصة عمل بدراسة المختصين وان تكون محطة تنقية الطفيلة ضمن برنامج الزيارت الميدانية لرئيس الحكومة والوزراء المختصين … والله من وراء القصد.