الأردن: الفقر والحطب ومستقبل الغابات

كتب أ.د. محمد الفرجات

تمثل الغابات في الأردن جزءًا ضئيلًا من المساحة الإجمالية للبلاد، حيث تغطي أقل من 1% من مساحة المملكة، مما يجعلها واحدة من أكثر الدول فقرًا بالغطاء الحرجي. ومع ذلك، فإن هذه الغابات، مثل غابات جرش وعجلون وجنوب عمان وبرقش والهيشة في الشوبك، تؤدي دورًا بيئيًا حيويًا في الحفاظ على التنوع الحيوي، وتخفيف آثار التغير المناخي، وتنظيم دورة المياه.

تواجه هذه الغابات تحديات متزايدة، أبرزها التحطيب غير القانوني، الرعي الجائر، الصيد غير القانوني، التوسع العمراني، والتغير المناخي، مما يضعها على حافة الخطر.

الغابات في مواجهة الفقر والبطالة:

يُعد التحطيب غير القانوني من أخطر التهديدات التي تواجه الغابات الأردنية، حيث يدفع الفقر والبطالة البعض إلى قطع الأشجار لبيع الحطب كمصدر دخل أساسي، بينما يعتمد آخرون عليه كوسيلة للتدفئة لعدم قدرتهم على تحمل تكاليف الكاز والغاز، خصوصًا خلال فصول الشتاء القاسية.

في ظل معدلات البطالة المرتفعة، التي تتجاوز 22% في بعض الفئات، يبحث الكثير من الشباب عن أي فرصة عمل، ما يدفع البعض للعمل في تجارة الحطب بجانب تحدي الرعي الجائر داخل المناطق الغابية، مما يزيد من استنزاف الغطاء النباتي. كما أن الصيد غير القانوني يزيد من الضغط على النظام البيئي، مهددًا بانقراض بعض الأنواع الحيوانية التي تلعب دورًا في التوازن البيئي.

التغير المناخي والجفاف: تحديات إضافية

مع تفاقم ظاهرة التغير المناخي، أصبحت الغابات أكثر عرضة للجفاف والحرائق الطبيعية، مما يزيد من هشاشتها أمام التعديات البشرية. فارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدلات الهطول المطري والتنزه داخل الغابات تؤثر على قدرة الأشجار على التجدد، مما يجعل أي فقدان للغطاء الحرجي أكثر صعوبة للتعويض.

التوسع العمراني والرعي الجائر والصيد غير القانوني:

تعاني الغابات الأردنية أيضًا من التمدّد العمراني العشوائي، حيث يقوم بعض الفقراء ببيع أراضيهم الزراعية والغابية لأثرياء يحولونها إلى مزارع خاصة وفلل، مما يقلّص المساحات الحرجية المتبقية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الرعي الجائر يؤدي إلى تدمير الشتلات والنباتات الصغيرة، مما يمنع تجدد الغابات، في حين يهدد الصيد الجائر التوازن الطبيعي داخل هذه النظم البيئية.

الحلول الممكنة لإنقاذ الغابات:

1. توفير بدائل أرخص للحطب المحلي

استيراد الحطب بأسعار منافسة وجودة مماثلة أو أفضل، مما يقلل الإقبال على التحطيب المحلي.

دعم وقود التدفئة بأسعار معقولة للعائلات ذات الدخل المحدود.

2. التوعية والاستدامة

إطلاق حملات توعوية حول مخاطر فقدان الغابات على البيئة والاقتصاد.

تعزيز دور المؤسسات التعليمية والإعلام في نشر ثقافة الحفاظ على الموارد الطبيعية.

3. تشديد الرقابة وتطبيق القانون

تعزيز الدور الرقابي للأجهزة المختصة لمكافحة التحطيب الجائر والصيد غير القانوني.

فرض عقوبات صارمة على المعتدين على الغابات.

4. تنظيم التوسع العمراني والرعي

فرض قوانين تحد من تحويل الأراضي الغابية إلى ملكيات خاصة.

تطبيق إدارة مستدامة للرعي تضمن الحفاظ على الغطاء النباتي.

إن الغابات الأردنية، رغم مساحتها المحدودة، تمثل رئة طبيعية يجب الحفاظ عليها لضمان توازن البيئة والمناخ والتنوع الحيوي. فمع استمرار التحطيب الجائر، والتغير المناخي، والرعي الجائر، والصيد غير القانوني، والتوسع العمراني غير المنظم، تواجه هذه الغابات خطر الاندثار، مما يتطلب إجراءات عاجلة تشمل تقديم بدائل اقتصادية، والتشديد على إنفاذ القوانين، وتعزيز الوعي البيئي. إن حماية هذه الثروة الطبيعية ليست مجرد مسؤولية حكومية، بل واجب مجتمعي لضمان مستقبل مستدام للأردن وأجياله القادمة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى