دار بيع الكتب النادرة “بيتر هارينجتون” تعرض مجموعة “مؤلفاتٌ من العالم العربي” – تتضمن نماذج من أوائل الكتب المطبوعة بالمنطقة – خلال معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025
النتيجة غير المقصودة للغزو: كيف ساهم إدخال مطبعة نابليون إلى مصر في النهضة العربية

تعود بيتر هارينجتون، دار بيع الكتب النادرة الرائدة، إلى معرض أبو ظبي الدولي للكتاب 2025 بمجموعةٍ مذهلةٍ من أوائل الكتب المطبوعة في العالم العربي، يتقدمها عددٌ من الكتب الأولى المطبوعة باستخدام الحروف المتحركة – وهي مجموعة تتقصى الإرث الغني وغير المتوقع لغزو نابليون لمصر عام 1798.
وللمرة الأولى بالمنطقة، تَعرض الدار عشر مقتنيات بارزة أمام هواة جمع الكتب النادرة من إنتاج المطبعة التي أسسها نابليون في مصر – المطبعة الشرقية الفرنسية في الإسكندرية (التي سُميت لاحقًا المطبعة الوطنية بالقاهرة بعد انتقالها إلى العاصمة المصرية)، ومطبعة بولاق – أول مطبعةٍ حكوميةٍ في مصر –، وتروي هذه المقتنيات في طياتها كيف حفز الاحتلال العسكري ثورةً في مجال الطباعة على مستوى العالم العربي.
وبهذه المناسبة، يقول بوم هارينجتون: “هذه الكتب هي نسخٌ من مطبوعاتٍ عربيةٍ ضاربةٍ في العراقة (incunabula )”، مضيفاً “في أوروبا، يشير هذا المصطلح إلى مهد الطباعة والكتب المطبوعة قبل العام ١٥٠١. أما في العالم العربي الذي كانت تهيمن عليه ثقافة المخطوطات، فقد ظهرت الكتب المطبوعة المماثلة لاحقاً تحمل ذات الأهمية التاريخية والثقافية”.
الطباعة والسلطة والصحوة الثقافية
في العام ١٧٩٨، نزل نابليون على مصر، ليس فقط بجنوده، بل أيضاً بمطابعه، وآلات الكتابة، وعماله المدربين، بمن فيهم المستشرق جان جوزيف مارسيل، والطابع الشاب مارك أوريل. وفي غضون أيام، تأسست المطبعة الشرقية الفرنسية في الإسكندرية، ثم نُقلت فيما بعد إلى القاهرة. أصدرت تلك المطبعة عدة بياناتٍ رسميةٍ، ونشراتٍ عسكريةٍ، وموادٍ باللغة العربية لكسب ود النخب المحلية، وهو ما كان يُعدّ ابتكارًا جذريًا في ذلك الوقت.
ورغم رحيل الاحتلال الفرنسي عام ١٨٠١، إلا أنه ترك أثرًا لا يُمحى، حيث استلهمت مطبعة بولاق، التي أسسها محمد علي باشا بعد عقدين من الزمن، أسلوب الطباعة النابليوني. وكان أحد أبرز رموز بولاق، نيقولا مسابيكي، الذي كان قد عمل سابقاً في المطبعة الفرنسية بالقاهرة.
بعد ذلك، أصبحت دار بولاق أول ناشرٍ عربيٍ رائد، يطبع القواعد النحوية، والنصوص الدينية، والأطروحات العلمية، والأدب – بما في ذلك أول طبعة عربية كاملة لكتاب ألف ليلة وليلة (1835)، وهي تحفةٌ فنيةٌ في تاريخ الطباعة والأدب العربي ساهمت في إبراز تقاليد الأدب العربية عالمياً، وهي من أهم معروضات دار بيتر هارينجتون لهذا العام.
مجموعةٌ من أبرز إصدارات هذه المطابع التي ستعرض خلال معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025:
• نشرة نادرة وغير مسجلة من قبل أصدرتها مطبعة نابليون المتنقلة في الإسكندرية أثناء الحملة السورية (1799) – وهي من أوائل الأعمال المطبوعة في مصر باستخدام الحروف المتحركة، وتجسد توظيف نابليون للصحافة كأداةٍ استراتيجيةٍ للتأثير والسيطرة.
• إصدار بولاق عام 1835 لكتاب ألف ليلة وليلة، وهذا أول إصدارٍ كاملٍ يطبع في العالم العربي، والأساسي الذي تستند إليه الترجمات الحديثة.
• معجم فرنسي عربي (١٧٩٩) من إصدار المطبعة الوطنية، ويُرجّح أنه أول معجمٍ من نوعه ينشر بشكلٍ مستقل.
• نصوصٌ قرآنيةٌ ونحويةٌ من إصدار مطبعة بولاق، تشكّل نماذج رائعة لسحر الطباعة العربية المبكرة.
تجسّد هذه الأعمال الصحوة التقنية التي شهدتها المنطقة، وتؤرخ للمراحل المبكرة من النهضة الفكرية والأدبية الأشمل التي اجتاحت العالم العربي خلال القرن التاسع عشر، والتي أثرت على كل شيء بدءاً من حوكمة الدولة وحتى الدراسات الدينية.
أهمية معاصرة
اليوم، وفي العام ٢٠٢٥م، تتردد أصداء هذه القصة بعمق في جميع أنحاء الشرق الأوسط. فالمتاحف والمؤسسات الثقافية الإقليمية – ومن أهمها: متحف زايد الوطني المرتقب، وبيت الحكمة في الشارقة، مركز اللغة العربية، ومكتبة قطر الوطنية – تُركز بشكل متزايد على ثقافة المعرفة المادية، ويُعد تطور الطباعة العربية محورياً في هذه السردية.
وتدعو دار بيتر هارينجتون خلال معرض أبوظبي الدولي للكتاب وسائل الإعلام والجامعين والمنسقين والأكاديميين لاستكشاف قصة مهد النشر العربي – التي شهدت عواقب غير مقصودة، وإرثاً دائماً.
يشارك بيتر هارينجتون في معرض أبوظبي الدولي للكتاب منذ عام 2016. وتمثل منطقة الشرق الأوسط حاليًا ما بين 15 و20 في المائة من مبيعات بيتر هارينجتون الدولية، حيث تتكون غالبية المشترين من المنطقة من المشترين المؤسسيين للمكتبات والمتاحف الإقليمية والدوائر الحكومية والمجموعات الخاصة للرعاة الإقليميين للفنون والثقافة.
الجدير بالذكر، أن دار بيتر هارينجتون تشارك في معرض أبوظبي الدولي للكتاب منذ العام 2016. وتمثل منطقة الشرق الأوسط حالياً 15 إلى 20 % من مبيعات بيتر هارينجتون الدولية، وغالبية المشترين في المنطقة هم من المؤسسيين للمكتبات والمتاحف الإقليمية والدوائر الحكومية والمجموعات الخاصة لجهاتٍ إقليميةٍ ترعى الفنون والثقافة.
هذا، وتستحوذ الإمارات العربية المتحدة على الحصة الأكبر من أعمال بيتر هارينجتون في الشرق الأوسط، بينما يتسع مجتمع هواة جمع التحف والنوادر في المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين وقطر، والذين يعملون مع فريقٍ متخصصٍ في الكتب النادرة لاختيار وتقييم واقتناء المقتنيات سواءً من قبل مؤسساتٍ أو مجموعاتٍ خاصة. وتتراوح كلفة اقتناء الكتاب الواحد بين بضعة آلاف إلى أكثر من مليون درهم إماراتي.