لارا مصطفى صالح تكتب: Black Friday!
مضى زمن طويل على آخر مرة فكرت فيها بشراء ملابس. ليست القناعة هي السبب بالمناسبة، إذ لا قناعة لدى النساء خصوصا إذا ما تعلق الأمر بالتسوق وشراء الملابس. ولا أظنه اضطرابا في الهرمونات. قد تكون حالة اكتئاب، مشهد السماء المطرزة بالغيوم وحده يقبض الروح.
– اليوم هو الأخير في عروض Black Friday. قالت صديقتي.
- Black Friday! هي ناقصة؟ ما صارت White Friday؟ على كل، طيب شكرا على المعلومة.
– طيب ماذا، ألا ترغبين في الخروج للتسوق؟
– لا.
– باستهجان، ألا ترغبين في شراء شيء ما؟
– لا، لا رغبة لدي لشراء شيء ما! ولا للخروج ولا للبقاء في المنزل أيضا!
– أنا يقتلني الملل، وضغط امتحانات الأولاد وأعباء المنزل وقد أترك عملي. بالغت في وصف حالتها كالعادةا! صديقتي بالمناسبة ممثلة بارعة إذا ما تعلق الأمر بحصولها على مرادها، وهي جيدة إلى حد كبير في تجسيد دور الضحية. حتى أنني خلتها في تلك اللحظة المطربة “سعاد عبدالله” وهي تغني (أنا المسيكينة أنا… أنا المظيليمة أنا…).
وصلنا إلى المول، دخلنا عدة محلات وانتهى بنا المطاف في محل أحذية رياضية، اخترت حذاء لابنتي تاليا بينما ظلت صديقتي حائرة. حملت بين يديها خمسة أحذية، وضعتها جميعها على أحد الرفوف ووقفت أمامها، تقترب تارة وتبتعد تارة، تضع سبابتها على فمها، تفكر ثم تأتي لتسألني عن رأيي!
– قلت لها، وقد بدأت أشعر بالدم يتدفق سريعا في دماغي: كلها جيدة.
– ردت: اختاري لي واحدا.
– سوف آخذ دورا للدفع. فالأمر أشبه بخوض غمار مواجهة عنيفة… اختاري لنفسك واحداً واتبعيني… المحل يكاد يتقيأ ما فيه من شدة الإزدحام. قلت.
تبعتني، ووقفنا بالدور، نظرت للناس أمامنا، وقالت: يا الله! متى سينتهي هذا الطوفان؟
تأملت الطوفان كما أسمته. كل زبون هو جزء من حكاية ما، فإما معطرة بالورد أو مثقلة بالشوك!
– قالت باستخفاف: صبر جميل. قد يسعفك الحظ فتستمعين إلى حكاية ما!
– نظرت إليها من زاوية عيني، وقلت: في الحقيقة، لا مانع لدي أن أقضي بحادث سيارة أو بمرض عضال أو حتى وأنا نائمة بلا سبب منطقي، أما أن أقضي بجلطة بانتظار دوري لأتمكن من دفع ثمن حذاء! فهذا لعمري الجنون بكل معانيه. ثم إن تاليا ليست بحاجة لهذا الحذاء!
– ضحكت وقالت لي: نظرتي لك بدأت تختلف يا صديقتي، أنت مجنونة!
– بعد كل هذه السنوات في هذا الكون العامر، اختلفت نظرتنا لأمور عدة، للحياة نفسها، للموت، للفرح، للحزن، للقوانين، للعادات، للعلاقات، للحلال وللحرام، للعمر، للدين حتى نظرتنا للخالق هي أيضا أمست مختلفة. وبعد عشرتك مع شخص ما لفترة طويلة، من الطبيعي أن تكتشفي في طباعه غرابة أو سخافة أو خروجا عن العادي. فلا عجب أن تختلف نظرتك لي يا صديقتي.
وضعت الحذاء على رف قريب، وقررت مغادرة المكان وكل ما كنت أفكر فيه بعض الهواء.لحق بي أحد الموظفين في المحل، كان متفائلا أكثر مما يجب: أولم يعجبك الحذاء يا سيدتي؟ سألني بلطف.
– لا للأسف..أجبت.
– بابتسامة لا تعني شيئا، قال: لكنك تضيعين الفرصة، الأسعار في هذا اليوم لن تتكرر. ألن تعيدي التفكير، قد تبتاعين شيئا آخر؟
– بلى، أجبت… أشعر بالاختناق وأريد بعض الهواء. هل تبيعون الهواء هنا؟ تلاشت ابتسامته وقال بنبرة راوحت بين الحيرة والقلق: أتمنى لك ليلة جيدة يا سيدتي.
القرارات المهمة لا تحضر إلا في أقسى اللحظات، وأشد اللحظات قسوة تلك التي تكتشف فيها أنك ودعت عقلك! هل في الحياة ما هو أسوأ من ذلك؟ في الحقيقة لا أدري، كما أني لا أدري ما الذي يدفعنا لتسمية كل شخص نعرفه -من غير الأقارب- بالصديق؟ ولا أدري كذلك من ذا الذي أعطاها -هذه الجمعة- اسم Black Friday؟
لكنه يلائمها… حقا!