الأردن : أسلحة صامتة ..لحرب هادئة .
دكتورة ميساء المصري
يقال ذا أردت أن تضيع شعباً اشغله بغياب أنبوبة الغاز وغياب البنزين، ثم غيِّب عقله واخلط السياسة بالإقتصاد بالدين بالرياضة.”
وهي ذاتها الحالة الصعبة التي يعيشها المواطن الأردني.. خليط من إقتصاد يوشك على الإنهيار و حكومة ضبابية الرؤيا والمشروع، وعجوزات بالجملة والبلاد على كف عفريت.. فساد وإفساد ومنظومة متذبذبة تعود وتختفي…وشعب لا يعرف ما هو دوره..!!!
في هذا الظرف الصعب ولتمرير ما يمكن تمريره تدخل إستراتيجية الإلهاء والتوظيف بكل قواها وبدون أي عفوية، إلهاء وإنهاك وتوجيه بوصلة و المتتبع لما يحدث اليوم ، سوف يتوقف عند سرعة ودقة تفريغ المواطن من شحنة الوعي والنقد والتحرك والمشاركة أو حتى المجابهة … كل ما في الأمر أنها سياسة تختصر في معناها أبعاد الإلهاء والإنهاك … إلهاء المواطن وإنهاكه لعدم التفكير في حقائق ما حوله . ورغم أنه يكاد يكون على علم مسبق بفحوى الحدث ، إلا أن ما أصاب الجميع بعد ذلك لم يتعدى أن يكون ردود فعل قصيرة عبرت عن خيبة وانتهى الموضوع . هكذا أصبح حال سياسة افراغ الشحنات .
والمتابع لما يتم نشره على وسائل التواصل الإجتماعي من كتابات وفيديوهات وتدوينات ، ما عليه إلا أن يبحث عن الخيط الرابط بينها في الزمان والمكان لعله يظفر بالإجابة لعديد التساؤلات ، من قبيل كيف ولماذا وما الجدوى حتى يصل الى درجة الخداع … عندها فقط سيصطدم بنوع آخر من أنواع زرع الوهم وكبح الجماح والحث على سياسة اللامبالاة..رغم تلقيه كم هائل من المعلومات المضادة أقلها العنصرية والكراهية والفتنة وأخطرها الفساد السياسي وضياع الدولة !!!
وبعيدا عن قول ومن السياسة ما قتل… نجد استفحال سياسية الإلهاء منذ بداية العام تمحورت حول قطاع الطاقة و انبوبة الغاز وارتفاع فواتيرإستهلاك الكهرباء وما سيتبعها من فواتير المياه وارتفاع الاسعار والتعديل الوزاري المرتقب والتمديد لمجلس النواب .بل الأدهى والأصعب نستمع للاجراءات , ونظن أن الدنيا ستنقلب راسا على عقب وان المشهد الوطني على تناقضاته اليوم بركان يشتعل … لكن في حقيقة الأمر هو نوع أخر من الإلهاء يمارس عليك لتحويل وجهتك لتقليص التصعيد الذي يمارس على الحكومة أو أحد ممثليها ومحاولة افراغ شحنة الغليان مما قد حدث مثل الخسائرالمادية للفيضانات الأخيرة..او مسيرة جماعية وسط البلد . لكن النتيجة هي اللامبالاة أيضا . !!!
سياسة الإلهاء والإنهاك يلعب فيها الإعلام دور السمسار ، فإعلام اليوم صار منحازا وقد وصل في بعض الأحيان إلى إعلام تبعية بعيد المصداقية غائب فيله كما حدث في صفقة القرن والتحليلات حولها .الى درجة يحاولون فيها اقناعك او اختزال تفكيرك بسطحية الحدث. هذا أمر مفتعل وعلى درجة كبيرة من الخطورة توجيهنا في إطار عملية متبادلة نحو الإقرار الفعلي أننا غير قادرين لا على التحرك والمواجهة ولا على إحداث الصدمة في عقولنا لنبدأ فعل التغيير …
الأمور تمشي كما رسم لها ونحن نمضي معهم بوعي سلبي وصلت حد ان نتابع من يحرق نفسه او ينتحر او يسجن أو يتعثر ويعودون به للوطن لنبكيه عند قبره ونمضي بلامبالاة . !!!!
أصبحنا نتحدث عن الأوجاع بدواخلنا ، وهي ليست أوجاع شعب بقدر ما هي أوجاع وطن ، أوجاع دولة…لكن بدون اي ارادة او فعل ..
الدرس كتب لنا على أوراق سوداء ، بحروف حولتنا الى كيانات مفلسة ومحطمة ودولة تعيش تحت وطأة المديونية بأشباه السياسيين ، ومع ذلك نقوم بالدور على أكمل وجه من خلال صنع دولة متناقضة وغياب التأثير الشعبي. فنحن اليوم في دولة المكونات و دولة الأصول و المنابت و بلد اللاجئين والنازحين و الوافدين و المهاجرين و الدخلاء , و دعاة التوطين و التجنيس و دعاة الحقوق المنقوصة و دعاة الوطن للجميع ، و دعاة المواطنة هذا على صعيد المجتمع , اما في النظام الدولي هي مسمى دولة. دولة لم تعد تمتلك مقدراتها. مقيدة بالديون و مكبلة بملفات الفساد. تكاد تصبح مباعة بقضاياها وقرارتها، ولا رابط بين مكوناتها الأساسية .
وها نحن الأن ننتظر التعديل الخامس للحكومة ضمن سياسة الإلهاء ايضا , والذي سيكون مخرجا لإطالة عمر الحكومة فقط فهو بلا شكل ولا لون ولا طعم . في ظل كل ما تعانيه الدولة من تحديات خارجية وداخلية , وللعلم فأن الوزراء الذين دخلوا حكومة الرزاز منذ يومها الأول عددهم الإجمالي بلغ 52 وزيراً ووزيرة، منهم 27 وزيراً حملوا لقب “وزير” لأول مرة، و غادر منهم 11 وزيراً أثناء التعديلات.مما يعني توفر عنصر اللامبالاة أيضا .
سياسة الإنهاك للشعب في مرحلة مفصلية في تاريخ البلاد؛ وتجاهل مطالب الأردنيين وكشف عقم إدارة الدولة بأدوات تقليدية . و نتائج مسوح حذّرت من إتساع فجوة الثقة بين القيادات والشعب، وأشارت إلى تفاقم التشاؤم وخيبات الأمل بين الأردنيين. وأن ثلثي الأردنيين يشعرون بأن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ، بل أن حكومة الرزاز سجلت أسوأ أداء منذ 1996.
لتبقى حقيقة واضحة لأسلحة صامتة ضد الشعب الذي هو أبعد ما يكون عن ممارسة السياسة بمعناها “التشاركي” مع غياب الاحتكام إلى معايير “سياسية” حقيقية للتواصل بين “الشعب” والحكومة ومعرفة الحجم الحقيقي لكل طرف.
وحرب هادئة بغياب حقل سياسي “طبيعي” وهيمنة الدولة على الحقل العام، وأيدي تتلاعب بهامش “معارضة” تقليدية سياسية ومدنية “مدجّنة” وموظفة بنيويا في خدمة الحكومة، وشرعنة ممارساتها أمام الرأي العام وأمام مراكز القرار الغربي.
وعلى الشعب ان يعي مدى فداحة إرتهانه اللاواعي لإستراتيجية التلهية، وانه مجرد وقود لمعارك دونكيشوتية لن يكون ابدا المستفيد بها .