صندوق النقد العربي يُصدر دراسة حول “الدخل الأساسي المُعمَّم”
تماشياً مع جهوده المتواصلة لدعم عملية صنع القرار في الدول العربية، أصدر صندوق النقد العربي دراسة حول “الدخل الأساسي المُعمَّم” (Universal Basic Income (UBI))، سلطت الضوء على العديد من القضايا المتعلقة بالدخل الأساسي المُعمَّم بما في ذلك إيجابياته وسلبياته، وخيارات التمويل، والتجارب الدولية في هذا الصدد. إضافة إلى ذلك، حاولت الدراسة الإجابة عن تساؤل يتعلق بمدى إمكانية أن يكون الدخل الأساسي المُعمَّم أحد خيارات السياسة الاقتصادية القابلة للتطبيق في الدول العربية.
أشارت الدراسة إلى أن فكرة الدخل الأساسي المُعمَّم قد نوقشت واختُبرت على نطاق واسع من قبل عدد من الحكومات مؤخراً، كإصلاح مالي جديد مطلوب للحد من مستويات التفاوت في الدخل. يمكن تعريف الدخل الأساسي المُعمَّم أنه أحد خيارات السياسة المالية في إطار برامج الحماية الاجتماعية يتمثل في قيام الحكومة باستبدال برامج التحويلات الاجتماعية التقليدية، بتوزيع مبلغ إجمالي غير مشروط من التحويلات النقدية لكل مواطن بغض النظر عن الحالة الاجتماعية أو الوظيفية أو أي شروط مسبقة أخرى. نالت فكرة الدخل الأساسي المُعمَّم الاهتمام على الصعيدين السياسي والاقتصادي مؤخراً في العديد من الدول المتقدمة والنامية على حدٍ سواء مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وسويسرا، وفنلندا، والهند، والصين، وناميبيا، والبرازيل وبلدان أخرى.
فيما يتعلق بإيجابيات وسلبيات برامج الدخل الأساسي المُعمَّم، يرى أنصار الفكرة أنها يمكن أن تساعد الحكومات في التغلب على عدد من التحديات طويلة المدى، وأهمها الحد من التفاوت في توزيع الدخل الذي يعد من أكثر التحديات إلحاحًا التي تواجه العديد من الاقتصادات المتقدمة والنامية في المرحلة الحالية. في هذا السياق، يمكن أن تلعب السياسة المالية دوراً مهماً في الحد من التفاوت في توزيع الدخل كونها تسهم من خلال أدواتها المختلفة في تقليل نحو ثلث مستويات التفاوت في توزيع الدخل القائمة قبل فرض الضرائب وتوزيع الإعانات. في هذا السياق، يعتبر بعض الاقتصاديين والحكومات والأحزاب السياسية برامج الدخل الأساسي المُعمَّم أحد أهم الإصلاحات المالية التي يمكن أن تساعد في احتواء عدم المساواة في الدخل لمجرد أنها تتدفق مباشرة إلى الفقراء.
إضافة إلى ذلك، يُمكن لبرامج الدخل الأساسي المُعمَّم التي تحل محل أنظمة الدعم الحالية غير الفعالة وغير المنصفة التي يستفيد منها بالأساس الأغنياء لا سيما فيما يتعلق بنظم دعم الطاقة، أن تسهم في زيادة مستويات كفاءة الانفاق الاجتماعي. كذلك، فإن بعض أنظمة التحويلات الاجتماعية لها تغطية محدودة بسبب عدم كفاءة آليات الاستهداف والإجراءات البيروقراطية المصاحبة لها، مما يجعل من الصعب على بعض الفئات الاستفادة منها (مثل ذوي الاحتياجات الخاصة أو المسنين). من ثم يُمكن لبرامج الدخل الأساسي المُعمَّم أن تساعد على خفض الفقر بفاعلية أكبر من برامج التحويلات الاجتماعية الاعتيادية، كما أنها كذلك سوف تساعد على تحفيز النمو الاقتصادي في ضوء ارتفاع الميل الحدي للاستهلاك لدى الفقراء مقارنة بمثيله لدى الأغنياء.
رغم المزايا الواعدة لـهذه النوعية من البرامج، يرى معارضو الفكرة أنها ترتبط بعدد من التحديات لعل أهمها التكلفة المصاحبة للتنفيذ الفعلي لها خاصة بالنسبة للبلدان ذات الكثافة السكانية الكبيرة. من جانب آخر، فإن توجيه التحويلات الاجتماعية إلى الفئات غير المُستحقة ممثلةً في الفئات الغنية يعني استفادة أقل للفقراء من هذه التحويلات. كما يعني كذلك أن المبالغ التي سيحصل عليها الفقراء ستكون أقل بكثير من المستويات المطلوبة للقضاء على الفقر.
كما قد يكون لهذه البرامج من وجهة نظر المعارضين تأثيراً سلبياً على أسواق العمل، حيث يمكن أن تضعف الحافز للعمل لدى بعض الأفراد وتقلل من مستويات عرض العمل. علاوة على ذلك، يُمكن أن تشجع على زيادة معدلات الإنجاب، بالتالي تحد من الجهود التي تبذلها بعض البلدان ذات الكثافة السكانية المرتفعة للسيطرة على الزيادة السكانية. كما يُمكن أن تشجع أيضاً على الهجرة إلى البلدان التي لديها هذا النوع من التحويلات الاجتماعية مما يُعقّد من مشاكل الهجرة.
من حيث كُلفة تنفيذ هذه البرامج، فقد قدرها صندوق النقد الدولي بنحو 6.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصادات المتقدمة، و 3.75 في المائة لاقتصادات الأسواق الناشئة في حالة ما إذا اتجهت الحكومات إلى توزيع مبلغ ثابت يقدر بنحو ربع متوسط نصيب الفرد من الناتج على كافة أفراد المجتمع([1]). هناك عدد من البدائل لتمويل برامج الدخل الأساسي المُعمَّم ذات الأثر المحايد على المــوازنة العامــة للدولــة بما يشمل: (1) التمويل من خلال استخدام جميع الموارد المالية المخصصة لبرامج التحويلات الاجتماعية خاصة أنظمة دعم الطاقة والغذاء، (2) التمويل من خلال فرض ضرائب إضافية، و(3) التمويل من خلال خفض الإنفاق العام على بعض مجالات الإنفاق الأخرى.
أوضحت الدراسة الصادرة عن صندوق النقد العربي أنه رغم الزخم الذي اكتسبته فكرة برامج الدخل الأساسي المُعمَّم في بعض الدول في السنوات الأخيرة، إلا أن تلك الفكرة لم يتم تنفيذها بشكــل كامـــل حتـى الآن. في المقابل تم تنفيذ برامج شبيهة لها بشكــل تجـريبي مــن خـــلال مــا يُعــرف ببــرامــج الدخــل الأســاسي(BI)) (Basic Income، وبرامج الدخل الأساسي الجزئي (Partial Basic Income) من خلال مشروعات تجريبية استهدف التغطية الكلية لبعض شرائح المجتمع في عدد من الدول بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، وفنلندا، وكندا، وناميبيا، والهند، والصين، والبرازيل، وحقق بعضها نتائج واعدة من حيث الحد من الفقر، وتحسين الصحة، والتغذية وتعزيز النشاط الاقتصادي.
علاوةً على ما سبق، حاولت الدراسة الإجابة عما إذا كانت برامج الدخل الأساسي المُعمَّم يمكن أن تمثل خياراً قابلاً للتطبيق في إطار السياسة المالية في الدول العربية، وأشارت إلى تركيز الدول العربية خلال العقود الماضية على التخفيف من حدة الفقر، والحد من التفاوت في توزيع الدخل. أسفرت هذه الجهود عن انخفاض مستويات التفاوت في الدخل في توزيع الدخل في إحدى عشرة دولة عربية، حققت من بينها سبع دول عربية انخفاضاً ملحوظاً في التفاوت في توزيع الدخل، ترجمه انخفاض “معامل جيني” في تلك الدول بما يتراوح بين 2.7 إلى 12.6 نقطة مئوية، في حين كان الانخفاض محدودًا في أربع دول حيث لم يتجاوز النقطة المئوية.
أشارت الدراسة إلى أنه رغم الجهود المبذولة في المنطقة للحد من الفقر وعدم المساواة في الدخل، إلا أن هناك حاجة إلى سياسات أكثر تركيزًا وفعالية واستهدافًا للوصول إلى المستويات المطلوبة في هذا المجال في إطار أهداف التنمية المسـتدامــة بحلول عام 2030 بما يشمل كل من الهــدف (1): “القضاء على الفقر”، والهــدف (2): “القضاء على الجوع”، والهدف (5): “المساواة بين الجنسين”، والهــدف (10): “الحد من أوجه عدم المساواة”. بناءً على ما سبق، ركزت جهود الإصلاح المالي في الدول العربية التي تم تبنيها منذ عام 2015 على تحقيق الانضباط المالي وضمان الاستدامة المالية. في هذا السياق، تم التركيز بشكل كبير على إصلاح نظم الدعم السلعي، وتقوية شبكات الحماية الاجتماعية للحد من الفقر وعدم المساواة في الدخل.
على غرار الدول الأخرى، لم يتم اعتماد برامج الدخل الأساسي المُعمَّم بشكل كامل في الدول العربية لاسيما في ظل الكلفة الكبيرة لهذه البرامج خاصة بالنسبة للبلدان العربية ذات الكثافة السكانية المرتفعة مثل مصر، والعراق والجزائر والسودان، كذلك في ظل ضيق الحيز المالي المتاح لدى عدد من الدول العربية. من ثم تتمثل الأولوية في الوقت الحالي في زيادة مستويات كفاءة الإنفاق الاجتماعي، وتقوية شبكات الأمان الاجتماعي من خلال:
- زيادة الموارد المخصصة لشبكات الأمان الاجتماعي بالاستفادة من الوفورات المالية الناتجة عن إصلاح نظم الدعم خاصة دعم الطاقة.
- تعزيز آليات الاستهداف من خلال وضع معايير استهداف موثوقة، وبناء قواعد بيانات دقيقة للأشخاص المستهدفين، والتعاون مع المنظمات غير الحكومية، والحكومات المحلية لتحديث قواعد بيانات الاستهداف وصقلها، ووضع إطار فعال لتوجيه التحويلات النقدية إلى الفقراء.
- توسيع تغطية برامج شبكات الحماية الاجتماعية من خلال توسيع نطاق تغطيتها الجغرافية والمجموعات المستهدفة.
- التركيز على برامج التحويلات النقدية المشروطة نظراً لقدرتها على تعزيز التنمية الاجتماعية.
- ربط تنفيذ برامج شبكات الحماية الاجتماعية بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، خاصة منها الأهداف المتعلقة بالحد من الفقر، وتقليل التفاوت في توزيع الدخل، وتمكين المرأة.
- تقييم كفاءة أنظمة شبكات الأمان الاجتماعي الحالية وتعديل البرامج بالبناء على النماذج الناجحة.