تاريخ ونشأة البلديات الفلسطينية!!
بقلم/ د.ناصر محمود الصوير
الباحث والكاتب والمحلل السياسي والناشط المجتمعي.
ء—————————-ء
شهدت فلسطين خلال القرن التاسع عشر وهو القرن الأخير من عمر الإمبراطورية العثمانية تحولات جذرية، شملت مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فقد بدأت الدولة العثمانية سياسة الإصلاحات في كل الولايات وكان لسياسة التحديث على النمط الأوروبي بالغ الأثر في نمط الإدارة ومؤسسات الحكم القائمة في فلسطين. ويعتبر ” قانون البلديات” لعام 1877م، الأساس التنظيمي لتركيبة المجالس البلدية والبلديات في العهد العثماني، وقد منح هذا القانون البلديات صلاحيات تنفيذية متعددة الجوانب، وأوكل إليها مهام خدمية واسعة جميعها تصب في مجرى حياة السكان داخل حدود منطقة البلدية؛ ولكنه بالمقابل شدد على وجوب عدم تجاوز مصروفات البلدية الذاتية عُشر وارداتها، مما يؤكد أن السلطة المركزية أرادات ضمان الاكتفاء الذاتي للبلديات، وإغلاق المجال أمام توقع إمدادها بمساعدة مالية .ولقد توالى في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إنشاء البلديات الفلسطينية تباعاً تنفيذاً لسياسة الإصلاح الإداري الذي انتهجته الإمبراطورية العثمانية منذ ذلك الحين.
نشأة البلديات الفلسطينية!!
ء—————————–ء
وتشير الوثائق أن بلدية القدس أنشئت عام 1863م، وقد أنشئت بفرمان خاص(أمر سلطاني صادر عن السلطان العثماني) قبل صدور قانون البلديات العثماني؛ أما بلدية عكا فقد أنشئت عام 1880م، أما بلدية حيفا فقد أنشئت قبل العام 1873م، مع صعوبة تحديد العام الذي أنشئت فيه قبل ذلك، فيما أنشئت بلدية الناصرة عام 1875م، في حين تأسست بلدية نابلس عام 1868م، أما بلدية الخليل فقد تأسست بين عامي 1874 و1882م، مع الإشارة إلى أن الكتاب الصادر عن بلدية الخليل المؤرخ في 5/5/1986م يشير إلى عام 1890م كتاريخ تأسيسها؛ أما بلدية غزة فقد تأسس أول مجلس بلدي في غزة عام 1893م.
لقد ترك العثمانيون فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى وفيها “21” مجلساً بلدياً هي : (عكا، حيفا، شفا عمرو، صفد، الناصرة، طبريا، بيسان، طولكرم، نابلس، جنين، القدس، رام الله، اللد، الرملة، الخليل، بيت جالا، بيت لحم، بئر السبع، عسقلان، خانيونس، وغزة). أي انه لم تكن هناك بلدية يهودية واحدة وهو ما يؤكد لقلة عدد اليهود في فلسطين قبل إعلان وعد بلفور وسقوط الإمبراطورية العثمانية!!
ء—————————–ء
وظائف ومهام البلديات والمجالس البلدية الفلسطينية!!
ء—————————–ء
بموجب “قانون البلديات العثماني” يتشكل المجلس البلدي من ستة إلى اثني عشر عضواً تبعاً لحجم المدينة وعدد سكانها على أن يتم انتخابهم بشكل مباشر كل أربعة أعوام ، وفيما عدا تفرغ رئيس البلدية ، فان عمل بقية الأعضاء يكون طوعياً ذا صبغة فخرية، ولعدم الأثقال عليهم يتم استبدال نصف هؤلاء الأعضاء مرة كل عامين ضماناً لاستمرارية العمل، ويشترط في العضو أن يكون من ذوي الأملاك، ومن التبعية العثمانية، وخدمة الأعضاء فخرية فلا يتقاضون رواتب، ويعتبر مهندس البلدية وطبيبها أعضاء استشاريين في المجلس البلدي؛ أما رئيس البلدية فيعين تعييناً من قبل الدولة، ويكون موظفاً أي ذا معاش من حاصلات البلدية، وعلى الرغم أن القانون لم ينص على وجوب أن يكون رئيس البلدية من بين الأعضاء المنتخبين، إلا أن رئيس البلدية كان في كثير من الأحيان يعين من بين الأعضاء المنتخبين للمجلس وليس من خارج المجلس، وتضمن قانون البلديات العثماني على شرح مفصل وبيانات وافية لوظائف الإدارة البلدية العمومية جاء في أهم موادها، أنه يترتب لكل مدينة وقصبة والقصبة هي البلدة ، وهي أكبر من القرية وأصغر من المدينة، فقد كان يطلق سبيل المثال على البلدة القديمة في غزة “القصبة” أن يكون لها مجلس بلدي ، وأن المدن الكبرى تنقسم بحسب موقعها واتساعها إلى دوائر بمعرفة مجلس إدارة تلك المدن ، وكل دائرة يبلغ عدد نفوسها أربعين ألف نسمة يترتب لها مجلس بلدي ؛ كما تضمن شرحاً مستفيضاً لوظائف البلدية ، وأهمها: المناظرة على الأبنية والإنشاءات ، وتوسيع وتنظيم الطرق ، وهدم الأبنية الآيلة للسقوط ، وتزيين البلدية وتنويرها ، والقيام بأعمال النظافة ، وتوفير المياه ، وقيد وتحرير النفوس الموجودة مع مواليدها ووفياتها ، والمحافظة على الساحات والجنائن العمومية،وترتيب أماكن البيع والشراء ، وتنظيم وتحديد قيمة النقل داخل حدود البلدية، والنظارة على جميع أماكن تجمع الناس ومحلات النزهة والأسواق العمومية، والفحص على فلائك الميناء ومكانتها، وترتيب عدد ركابها وتحقيق أحوال ملاحيها وفحص المكاييل والمقاييس والأوزان والاعتناء بأن يكون الخبز نظيفاً كامل النضج تام الوزن، وأن لا يكون دقيقه فاسداً ،ونظافة الأفران ودكاكين الطباخين ، ومراقبة بيع اللحوم والتأكد من سلامة الحيوانات قبل ذبحها، والاعتناء بالسلخانات والمعامل القابلة للتعفن، ومنع بيع المأكولات التي تضر بالصحة ، وإجراء جميع الوسائل لحفظ الصحة العمومية، وترتيب المستشفيات ومآوي للغرباء، ومواضع إصلاح، وتجهيز التكفين للمتوفين الغرباء، ومراقبة مواضع الألعاب للتأكد من عدم ظهور حركات مغايرة للآداب العمومية، واستيفاء جميع الواردات وصرفها في الاحتياجات البلدية أو منع أرباب الاحتكار وملاحظة أمور الأصناف، وما شاكل ذلك من الأمور والمواد النافعة؛ كما شمل القانون أيضاً على بيانٍ حول كيفية تشكيل وترتيب المجالس البلدية من حيث عدد الأعضاء، وفترة الولاية المقررة لكل مجلس، والوظائف المعاونة للمجلس، وآليات عمل وشروط انعقاد الجلسات وغير ذلك من التفاصيل المتعلقة بالمجالس البلدية، وبياناً حول كيفية انتخاب أعضاء المجالس سواء من حيث شروط الواجب توافرها في الناخبين أو المرشحين وموعد الانتخاب وآليات الترشيح والانتخاب والاعتراض ومهام لجان الانتخابات، وشرح حول واردات البلدية من الرسوم والضرائب والإيجارات وآليات جمعها وآليات استرداد الديون والخيارات القانونية المتاحة للبلدية لاسترداد ديونها وحقوقها المالية وعمل موازنة توضح الواردات والمصروفات السنوية للبلدية، وبياناً حول وظائف المجالس البلدية ووظائف رؤسائها، ووظائف كاتبي ومهندسي المجالس، ومأموري قلم الأملاك والنفوس في المجالس البلدية، ومأموري القونطراتو وهم مأمورو التعهدات والوثائق وهي مقتبسة من كلمة contract باللغة الانجليزية، وكذلك وظائف أمين الصندوق في المجالس البلدية ، وبياناً حول الجمعية البلدية التي تتألف من مجلس الإدارة المحلي، والمجلس البلدي ، وبيان حول أعمالها ووظائفها؛ وتضمن القانون كذلك بياناً مفصلاً حول جاويشية البلدية، وبياناً لوظائفهم من حيث شروط تعيينهم والمهام الملقاة على عاتقهم، وصلاحياتهم، وضوابط عملهم؛ أما الفصل الثامن فقد تضمن بياناً مفصلاً حول الأعمال الممنوعة من جهة القيام بها من طرف الأهالي؛ وجاء في الفصل الذي يليه بياناً مفصلاً حول الأحوال اللازم إجراؤها من جهة البلدية؛ أما الفصل العاشر والأخير فقد تضمن بياناً مفصلاً حول المجازاة التي تتخذ بحق المخالفين لأنظمة وقوانين البلدية.
ولتنظيم عملية جباية الرسوم من قبل البلديات وتحديد قيمتها أصدرت السلطات العثمانية عام 1914م قانوناً خاصاً برسوم البلديات أطلق عليه “قانون رسوم البلديات” تناول تعريف أنواع الرسوم المختلفة المقرر جبايتها من قبل البلديات وتحديد قيمة كل رسم من هذه الرسوم ، تضمن بياناً حول الرسوم المتعلقة بالأموال غير المنقولة والتي تشمل: الرسم المنضم على الويركو، ورسم الأبنية، ورسم الكازينات ومحلات بيع المسكرات، ورسم الألعاب والملاهي، ورسم المظلات والبسطات، رسم التبخير الصحي، وبياناً حول الرسوم المتعلقة بالأموال المنقولة، والتي تشمل الرسم المنضم على ويركو التمتع، ورسم الدلالة، والرسم على المواد المشتعلة ورسم الآلات التجارية، ورسم دلالة الحيوانات، ورسم المراكب التجارية، ورسم الذبيحة، ورسم تبسيط الباعة المتجولين، ورسم دمغة الموازين، ورسم القبان والكيالة، ورسم الكلاب، ورسم اللوحات والآرمات، وبياناً حول الرسوم التي تتعلق بالأشخاص والتي تشمل: رسم بدلات الطرق، حصة البلدية من أرباح الشركات.
ء———-ء
إن المتتبع لأنظمة وقوانين البلديات التي عُمل بها في فلسطين في أعقاب انهيار الدولة العثمانية سواء في عهد الانتداب البريطاني أو بعد ذلك يجد أن قانون البلديات العثماني ظل لوقت طويل المرجعية الأساسية لعمل البلديات، وان بدأت تدخل عليه شيئاً فشيئاً تعديلات أو قوانين جديدة لتتلاءم مع طبيعة كل مرحلة ولتتناسب مع مصالح وأهداف الجهة صاحبة السيادة في فلسطين .
ء—————ء
يتضح من استعراض قانون البلديات العثماني كذلك أن المجالس البلدية في فلسطين آنذاك كانت تقوم بوظائف أكبر بكثير مما تقوم به البلديات في العهود التي تلتها، حيث تولت البلديات القيام بأعمال تقوم بها حالياً دوائر الأمن العام ، والأحوال المدنية ، والتربية والتعليم ، والصحة ، والزراعة، والمواصلات ، والتنمية ، والرفاه الاجتماعي، وأن هذا القانون منح البلديات صلاحيات تنفيذية متعددة الجوانب وأوكل إليها مهام خدمية واسعة.
د.ناصر محمود الصوير