9 أشهر حمل كاذب انتهت بجريمة.. “كلبش” ينهي حكاية “نورا” وزوجها العقيم (صور)
طوال 6 سنوات لم يعرف اليأس طريقه إلى العامل البسيط، تشبثه بالحلم لم يتزعزع، سماع كلمة “بابا” من فلذة كبد من صلبه لم يفارق مخيلته أبدا، دون أن يدري بأنه سيُفيق على كابوس قاسٍ فقد معه الوريث الشرعي وزوجته في آن.
الثانية عشرة ظهر الأربعاء الماضي، وصلت “نورا” مستشفى أم المصريين في الجيزة، تقترب بخطوات حثيثة من المبنى تزداد معها سرعة ضربات قلبها تزامنًا مع جملة يتردد صداها في داخلها: “هعمل إيه في المصيبة اللي أنا فيها.. جوزي فاكر إني حامل ومستني المولود”، وكان حديثها مع زوجها عن قرب حضور “ولي العهد” بعد 6 سنوات عجاف، وسط مخاوف من فشل زيجتها الثانية.
فور صعودها الطابق المخصص لاستقبال حالات السيدات الحوامل، تنقلت ذات الثلاثين سنة، ببصرها حتى وقعت عيناها على “لبنى”، 21 سنة، إذ يقف بجوارها رجل وامرأة عكفا على طمأنتها بأن الأمر لن يستغرق وقتًا طويلًا، وأن لحظات تفصلها عن استقبال ضيف جديد لأسرتها “الطفل الثالث”، لتصطحبها كلتا قدميها إلى سرير تلك السيدة: “ربنا معاكي يا حبيبتي.. إن شاء الله تقومي بالسلامة”.
3 ساعات كاملة قضتها “نورا” مع “لبنى” تعرفت خلالها على زوجها وزوجة شقيقه اللذين كانا بجوارها، وأخبرتهما أنها جاءت مع جارتها التي ستخضع لعملية ولادة قيصرية، ثم تناولوا الطعام معًا حتى حضر الطبيب الذي يتابع حالتها إيذانًا بدخولها غرفة العمليات.
“مبروك.. جتلك بنت زي القمر”.. بهذه الكلمات زفت ممرضة الخبر السار لزوج “لبنى” ليتنفس الصعداء، ويسجد لله شكرًا، وحمل رضيعته ومن بعده شقيقه وزوجته ورفيقة الساعات الثلاث الماضية “نورا” التي تغزلت في وصف جمال المولودة: “ربنا يبارك لكم فيها”، وأخبرتهم بأنها ستتولى أمر التطعيمات.
الثالثة عصرًا، بدأت “لبنى” تسترد عافيتها بعد تلاشي آثار “البنج” لتسأل عن رضيعتها التي لم ترها حتى اللحظة، ليفاجأ الحضور باختفاء السيدة التي كانت تحمل الرضيعة، وراحوا يبحثون عنها في أرجاء المستشفى دون العثور عليها، ليسرع الأب إلى نقطة الشرطة في المستشفى للإبلاغ عن اختطاف رضيعته، التي بدورها أخطرت قسم شرطة الجيزة.
مع غروب الشمس وتراجع نشاط الرياح المحملة بالأتربة، وصل المقدم مصطفى كمال، رئيس وحدة مباحث الجيزة، على رأس قوة أمنية إلى المستشفى، لم يستطع “نادر” والد الرضيعة المختطفة منع دموعه التي سالت على وجنتيه وظل يردد: “يارب دي أمها لسه ماشفتهاش”، ليربت الضابط الشاب على كتفه مطمئنًا إياه: “مش هندخل بيوتنا إلا لما بنتك تكون في حضنك”.
لحظات معدودة احتاجها رئيس المباحث لتوجيه عناصر فريق البحث بشأن خطة العمل تحت إشراف العقيد محمد الشاذلي مفتش مباحث غرب الجيزة، بدء من فحص العاملين والمترددين على المستشفى على مدار الـ48 ساعة الماضية، مرورًا بتفريغ كاميرات المراقبة وسماع أقوال أسرة الرضيعة وانتهاء بمراجعة 8 حالات ولادة استقبلتها المستشفى صبيحة ذلك اليوم، إذ اشتبه الأب في سيدة لازمتهم 3 ساعات دون معرفة هويتها، الأمر الذي أكدته الكاميرات التي رصدت مغادرتها عبر “توك توك” وتحمل رضيعًا.
بحلول المساء، توصلت جهود البحث الرائد معتصم رزق معاون أول مباحث الجيزة إلى “توك توك” الذي استقلته السيدة، وأكد قائده أنه نقل لوحين زجاجين إلى مدير الصيانة بالمستشفى، وطلبت منه ربة منزل -تتطابق أوصافها مع المشتبه بها- توصيلها إلى منطقة الطالبية، لكنها رفض وانتهت رحلتها معه لدى “سلم المنيب”، متذكرًا: “كانت معاها طفلة وعدت السلم الناحية التانية”.
التقط رجال المباحث حديث السائق، لتبدأ رحلة البحث عن موقف “توك توك” والميكروباص التي تعمل بخط “الكُنيسة – الطالبية” حتى توصل الرائد هشام فتحي معاون مباحث الجيزة إلى قائد الـ”توك توك” تعرف على صورة المشتبه بها: “أيوة يا بيه.. دي ركبت معايا ونزلت عند الكُنيسة”.
رويدًا رويدًا، ضيق رجال البحث الجنائي الخناق على المتهمة بخطف الرضيعة، إذ تم نشر أوصافها بالمنطقة بالكامل حتى أكدت سيدة أنها شاهدت ربة منزل تحمل رضيعًا في منطقة أرض البحر قائلة: “أنا استغربت إزاي أم تطلع بضناها في الجو ده”، وبات فريق البحث على بعد خطوة من إنجاز مهمتهم بنجاح.
يوم الجمعة الماضي -عقب 72 ساعة على تلقي البلاغ- وردت معلومات سرية للمقدم مصطفى كمال بأن المشتبه بها تدعى “نورا”، 30 سنة، وانطلقت مأمورية بمشاركة النقيب إسلام شوق وملازم أول أحمد عبدالكريم، معاونا مباحث الجيزة، والنقيب كريم عبدالرازق معاون مباحث بولاق الدكرور، تمكنت من ضبطها وبحوزتها الرضيعة، وتم اصطحابها إلى ديوان القسم.
“جوزي مش بيخلف وكنت عاوزة أفرحه”.. بصوت متحشرج أدلت المتهمة باعترافات تفصيلية حول الواقعة، مشيرة إلى أنها أوهمت زوجها بشعورها بآلام شديدة في البطن، وأخبرته بعدها بحملها خوفًا من فشل زيجتها الثانية بعدما علمت بأنه عقيم.
تصمت ذات الـ30 سنة عن الحديث تتذكر معها لحظة وصولها المنزل والرضيعة بين يديها: “قولت له مبروك بقيت أب”، إلا أن ردة فعل الزوج اتسمت بالغرابة، إذ لم يراوده الشك بأن الأمر أكذوبة “كان طاير من الفرحة وبيشيل البنت ويلاعبها.. افتكر أن اللي حصل معجزة” -حسب قولها- مختتمة اعترافاتها بأنها كانت تنتظر قدوم الشرطة “كنت عارفة إن الموضوع مش هيعدي”.
داخل غرفة مجاورة لتلك التي يتم استجواب المتهمة فيها، بدت الأمور مختفلة بشكل كامل، فرحة عارمة سيطرت على أسرة الرضيعة، وتوجه والدها “نادر” بالشكر لرجال المباحث بقسم شرطة الجيزة، مؤكدًا أنه حضر وزوجته من مسقط رأسه بمركز العدوة بمحافظة المنيا، واستقر بهما وطفليهما في غرفة بسيطة بقطعة أرض يتولى حراستها في منطقة الهرم.
ويضيف الأب أن الأمر أشبه بالدراما، متذكرًا لحظة عرض المتهمة عليه عقب ضبطها: “أول ما شوفتها مسكت فيها.. كنت عاوز أكلها بسناني”، بينما لم تتوقف زغاريد الأم التي حضرت لاستلام رضيعتها: “ماكنتش مصدقة لما كلموني في القسم.. قولت بنتي مش هترجع”.
انتهى اليوم بتحرير محضر بالوقعة، وعاد “نادر” إلى منزله محتضنا رضيعته -التي لم يُسمِها بعد- بينما فقد الآخر “ولي العهد” وزوجته “نورا” التي وُضِعت الكلبشات في يدها لاقتيادها لسرايا النيابة العامة لتحديد مصيرها.